نحن بأمس الحاجة إلى ثقافة إسلامية عربية أصيلة في هذه المرحلة الخطيرة من حياة أمتنا، وحياة الإنسان العربي المسلم في عالمنا العربي والإسلامي بصفة خاصة، والمسؤولية في نشر هذه الثقافة العربية الإسلامية الأصيلة مسؤولية عظيمة مشتركة بين الجميع، وفي مقدمتهم ولاة الأمر «الحكَّام» الذين يحملون على عواتقهم أمانة المحافظة على قيم أمتهم وشعوبهم بما يملكون من مقاليد السلطة، وشؤون المال والإدارة التي يسيّرون بها البلاد والعباد، ثم تتوالى بعد ذلك مسؤوليات الناس بحسب مراتبهم ومواقعهم السياسية والاجتماعية، والعلمية، وقبل ذلك مواقعهم الشرعية التي تجعل للعالم مكانة خاصة في نفوس الناس.
هنالك جهود كبيرة جداً تبذل من الأنظمة الغربية -خاصة الولايات المتحدة الأمريكية- تهدف إلى تغلغل ثقافة «العولمة» و»الحرية الاقتصادية» التي يتداول الناس مصطلح «الليبرالية» حينما يتحدثون عنها، وهذه الجهود تتمثل في برامج متعددة، منها ما يظهر في شكل مراكز دراسات، وأندية ثقافية أو اجتماعية، ومنها ما يظهر في شكل برامج إعلامية مختلفة، تؤدي في مجملها إلى الهدف المنشود، ألا وهو تغيير مسار ثقافة الإنسان العربي المسلم -خاصة الشباب- ليصبح مساراً متحرراً من ظلال وإيحاءات القيم الإسلامية الأصيلة والعادات العربية النبيلة.
تتداول بعض المراكز الغربية التي أنشئت لهذا الغرض مصطلح «تمكين المرأة العربية» مثل مشروع «ميدل إيست بارتزشيب إنيشينيف» الأمريكي الذي يعنى بالقيام بمبادرة تسمى «مبادرة الشراكة للشرق الأوسط» وهو مشروع فتحت له مكاتب، وحُدّدت له ميزانيات، ورسمت له أنظمة للوصول إلى الهدف الأكبر ألا وهو تغريب ثقافة وفكر وسلوك الشباب العربي المسلم من الجنسين، ومن أبرز أهدافه تنفيذ ما يسمى بمشروع «تمكين المرأة العربية» تحت مصطلحات تزويقية مختلفة، مثل حرية المرأة، وإعطائها حقوقها، وإيجاد مجالات العمل والوظائف المختلفة لها، وغير ذلك من العناوين البرّاقة التي تصرف الأنظار عن الهدف المنشود.
ونحن -المسلمين- لن نقول لأعدائنا، ومخالفينا في الدين والفكر والأخلاق: لا تعملوا، ولا تخططوا، لأننا نؤمن أنهم يرون أن عملهم وتخطيطهم لأنفسهم حق لهم لن يتخلّوا عنه أبداً، فهم يمكرون ويكيدون للدين الحق وأصحابه لأنهم قد انحرفوا عن طريقه الصحيح فلن يكونوا أنصاراً له، وهم يعملون لأنفسهم وبلادهم بالطرق التي يرونها مهما كانت منحرفة عن الطريق الصحيح الذي رسمه الله لعباده المؤمنين في هذه الحياة.
ولكننا نقول لأنفسنا -كباراً وصغاراً-: إلى متى نظل حقلاً لتجارب الآخرين؟ وإلى متى يظلّ بعض رجالنا ونسائنا ضحية لبريق دعايات الغرب الخادع، ولشهوات النفس وشبهات الفكر وإلى متى نرى برامج الآخرين بأنواعها المختلفة ثقافياً وفكرياً وإعلامياً وتربوياً تنفّذ -بدعم منا أحياناً- على أبنائنا وبناتنا دون أن يكون لنا دورٌ واضح؟ بل إلى متى نظل بعيدين عن استشعار الخطر المحدق بنا في هذه المرحلة حتى أصبح قبيلٌ منا راكضاً ركضاً خطيراً في اتجاه الغرب وخُططِه التي تستهدف تحطيم أصالة العربي المسلم عقلاً وقلباً وروحاً؟
وهنالك أسر عربية مسلمة تنشِّئ أبناءها وبناتها تنشئة غربية بحتة بحماسة وإصرار.
إن تأصيل ثقافتنا العربية مسؤولية عظيمة في هذه المرحلة التي كثر فيها الزّيف وظهر فيها الجنوح إلى ثقافة غربية ستكون نتائجها مروّعة في عالمنا العربي والإسلامي -إلا إذا تداركنا الله برحمته- وقام المخلصون بواجبهم.
إشارة
وإذا تمادى في التطاول صاحبٌ
فاعلم بأنّ العقل عنه تغيّبا
