في اعتقادي، بل أجزم بذلك، بأننا - كباراً وصغاراً - في أمسِّ الحاجة لمعرفة سير السالفين من الصالحين والمؤثرين، والمنتجين والمبدعين، سواء من رجال أمتنا العربية والإسلامية أو من الشعوب الأخرى الذين كان لهم أثر وتأثير إيجابي في المسيرة الإنسانية.
ومن أعظم السير التي يجب علينا وجوباً معرفتها وتدبرها سيرة سيد الخلق محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام، فمعرفتها عبادة قبل كل شيء. وفي التاريخ الإنساني هناك رجال كان لهم بصمات واضحة في المسيرة الإنسانية تغير بسببهم وجه التاريخ، وصار يشار إليه بأنهم أحد الرموز الذين تحقق على يديهم شيء ما للبشرية جمعاء ولشعوبهم على وجه الخصوص، في المشرق كما في المغرب هناك اعتزاز برجال كبار بعطائهم ومنجزهم التاريخي لشعوبهم، مما ربط هذه الشعوب بهؤلاء الرجال ربطاً وجدانياً لا يمكن أن ينفك مهما تباعدت الأيام. والشعب أو قل الأمة السعودية ارتبطت برجل كان له الفضل بعد الله في أن تكون الجزيرة العربية موحدة ذات سيادة وقيادة واحدة، ذلكم هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وهذا الرجل يحق لنا أن نقول: إنه أمة في رجل، فلم يكن قائداً عسكرياً، ولا سياسياً، ولا اجتماعياً، ولا دينياً، بل كان كلها مجتمعة، فهو بحق أمة في رجل.
والقارئ لسيرته منذ طفولته إلى أن انتقل إلى جوار ربه يتمالكه العجب كيف هذه القدرات العظيمة في رجل واحد..؟!
في الأيام الماضية وصلتني بعض النسخ من أخي العاشق للثقافة والعلم المتتبع لسيرة هذا الملك العظيم وسيرة أبنائه من بعده والذين دائماً ما يغمرني بهذه الهدايا الجميلة في زمن قل من يهديك كتاباً أو يزودك بمعلومة علمية أو ثقافية، فالهم صار مادياً بحتاً، والعقول عطلت إلا لمسار واحد، هذا الأخ العزيز هو صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة القصيم، لقد أهداني سموه كتاب (ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز) لمؤلفه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، وهو من الكتب التي تستمد شرفها من مضمون مادتها وقيمة سطورها ومكانة كاتبها، وذلك نتيجة للمزايا المتعددة والقيم الفريدة التي حظي بها هذا الكتاب، ذلك لأنه يتحدث عن الملك المؤسس الملك عبدالعزيز الذي قدم تضحيات كبرى لخدمة دينه وأمته وبناء وحدة وطنية والارتقاء بشعب عانى التفرق وفقدان الأمن، قدم المؤلف في كتابه هذا صوراً حية لمواقف تاريخية تعكس الإيمان الصادق الذي اطمأن في قلب الملك عبدالعزيز، وروح العدل التي سادت كل نوازعه، ويد الجود التي اكتسب بها هباته الوافرة.
تلك الصور الحية التي وعتها ذاكرة الابن، والمواقف النبيلة المحفورة في مخيلته عن أبيه الملك العظيم والمربي الفاضل والقدوة الحسنة، كل تلك الصور أراد المؤلف إظهارها لتظل منارات هادية للأجيال القادمة، ولتكون قصصاً يرويها التاريخ عن شخصية المؤسس الذي مل اليقين قلبه، هذا فضلاً عن الجوانب الإنسانية المعبرة التي يعرضها الكتاب لشخصية الملك المؤسس التي بنيت على الاقتداء بالرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم وإخلاص العبادة لله تعالى وحده والتقرب إليه بأنواع كثيرة من الطاعات. وما يميز الكتاب عرضه لتلك النماذج المتعددة للفكر التربوي الذي حرص الملك عبدالعزيز عليه عند تربيته لأبنائه وجميع أفراد أسرته الكبيرة الذي وازن فيه بين الشدة والرحمة، وحثهم على التمسك بتعاليم الدين الإسلامي، طلب العلم، وحفظ القرآن الكريم، والحرص على الاتصاف بالكرم والرأفة في جميع معاملاتهم، والذي يقرأ الكتاب لا شك أنه سيسعد بمعرفته لتلك الجوانب المضيئة من حياة الملك الأب والمربي الفاضل، حيث قدم الكتاب مواقف رائعة من سلامة قلبه وكمال عفوه عن خصومه ومحبته للخير، وإنصاف للمظلوم، وحرصه على مصالح المواطنين، والتزامه بالعدل أساساً لملكه الذي أنشأه. وقد احتوى الكتاب على العديد من الملامح المهمة في حياته ومرحلة بنائه للدولة وتوحيده للوطن، لأن الكتاب كان عبارة عن محاضرة ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في رحاب جامعة أم القرى، ولأهمية تلك المحاضرة فقد رأت دارة الملك عبدالعزيز طباعة تلك المحاضرة كاملة، فكان هذا الكتاب الذي يضم عدداً من الفصول، من بينها ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز، أساس الدولة، أول وحدة بعد دولة الإسلام الأولى، علاقته بوالديه، تدينه، اهتمامه بالمرأة وأسرته، تعامله مع خصومه، العدل والإنصاف، العطف والكرم، مكة المكرمة والملك عبدالعزيز. إنني أعتقد أن ما خطه سمو الأمير سلمان في هذا الكتاب يهدف منه بيان سر عظمة هذا الملك، ولماذا اتفق الناس على محبته، ولماذا دانة قبائل الجزيرة العربية كلها لطاعته، وهو كذلك يبين أن من أراد أن يكون قريباً من الناس فعليه أن يكون قريباً من الله، فهذا هو سر عظمة الملك عبدالعزيز، وسر محبة الناس له.
شكراً للأمير سلمان عبدالعزيز هذا الجهد الموفق الذي نحن في حاجة له لكونه مختصر مفيد يستطيع الصغير قبل الكبير الاستفادة منه، لتنوعه وشموليته لكافة جوانب حياة والد الجميع الملك الصالح المصلح عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله. والله المستعان