أن يتواجد بشرٌ يُشكِّلون أكثر من سكان أربع دول في بقعة واحدة، وفي أيام معدودات، يتحركون في أوقات محددة، ضمن بقعة جغرافية واحدة، فذلك من المهام الصعبة التي تَحسب لها الدول والأمم حسابات، وتضع لها الحلول التي ليس بالضرورة أن تؤدي تمام الغرض، فكثيراً ما تخرج الحسابات في الواقع، ولا تتطابق مع ما يتحقق.
تحديات الأمن والغداء والإسكان وتوفير الرعاية الطبية أكثر ما يواجه الدول والجهات التي تنظم وتتصدى للتعامل مع الحشود والتجمعات البشرية، حتى لو أمكن التعامل مع إشكالات الأمن بتوفير أعداد كافية من الأجهزة الأمنية وحشد المعلومات والأجهزة للتصدي لمن يخرج عن النظام.. أو يحاول العبث بأمن تلك الحشود، كما أن توفير الغذاء والإسكان أيضاً يمكن التعامل معه وتجاوزه بتوفير الإمكانات، إلا أن الرعاية الطبية لحشود وتجمعات بشرية تتجاوز المليونين أو أكثر تُعد في غاية الصعوبة.. لهذا أصبح طب الحشود والتجمعات البشرية محوراً أساسياً وعملاً يُوضع في أول اعتبارات من يتصدى لتنظيم الحشود والتجمعات البشرية، فمواجهة الأمراض والأوبئة خصوصاً التي يتزامن الكشف عنها مع بدء تجمعات الحشود، يكون من الصعب السيطرة عليها لأنها خارج نطاق السيطرة.. كون معظمها يأتي من خارج النطاق الجغرافي لموقع الحشد، ويتطلب زمناً هو أكثر من وقت تواجد المشاركين في التجمعات البشرية، كالذي يحصل في مواسم الحج في التجمع البشري الذي يحصل في أيام الحج والذي تصل ذروته في الأيام العشرة الأخيرة التي سبقها قرابة الشهر تتطلب تركيزاً وخدمة طبية وقائية وعلاجية.. مما يستوجب إستراتيجية وتعاملاً طبياً، مما فرض عقد المؤتمرات واللقاءات وعمل الدراسات لصياغة ما يمكن تسميته بطب الحشود والتجمعات البشرية الذي برعت فيه المملكة العربية السعودية التي لا يُوجد مثيل لها في العالم من حيث قيادتها لتجمعات بشرية مليونية كل عام في موسم الحج، ولهذا فقد أصبحت تجارب وممارسات المؤسسات الصحية في المملكة محل دراسة وتعلُّم من كل الدول التي تُكلف بتنظيم حشود وتجمعات بشرية لتنفيذ استحقاقات اجتماعية أو رياضية أو حتى سياسية.
هذه التجربة أصبحت محل دراسة تُعقد لها المؤتمرات واللقاءات العلمية لتعميقها وتطويرها وإضافة تحسينات أخرى خدمة للإنسانية.. وما يحقق الخير للبشرية جميعاً.