في تقديمه لمحاضرتي عن (جدل البطالة والسعودة) التي افتتحت بها فعاليات الموسم الحالي لمنتدى د. عمر بامحسون الثقافي بالعاصمة الرياض، اعتبر الدكتور محمد حمد القنيبط أن عنوان المحاضرة كان ذكياً.
وأحسب أن د. القنيبط كان يقصد أن محاولة الادعاء بامتلاك الحل لهذه المعضلة المتراكمة، قد يدخل صاحبها في مأزق، وهو ما حرصت على تجنبه فعلاً.
ومن خلال متابعتي للجدل الذي لم يتوقف حول هذا الموضوع، أصبحت على قناعة تامة بما طرحته في محاضرتي، بأننا في حاجة ماسة إلى عمل مؤسسي يتجاوز الطروحات الفردية التي قد لا تلم بكافة استحقاقات ملف البطالة والسعودة في الاقتصاد السعودي، والتي اعترفت وزارة العمل، في تقريرها الأخير، أنها قد فشلت في معالجته.
ولعل هذا الاعتراف، إلى جانب عوامل هيكلية أخرى في سوق العمل السعودي، يؤكد الحاجة الماسة إلى ما دعوت إليه.
وكشفت إحصائية صدرت عن وزارة العمل، وأشارت إليها جريدة عكاظ (11 أكتوبر 2010م) أن المتوسط الشهري للأجور في القطاع الخاص انخفض بنسبة 26% خلال عام 2009م الماضي ليصل إلى أقل من ألف ريال سعودي، مقارنة بأجر متوسط 1353 ريالاً سعودي لعام 2008م.
وترى أسماء المحمد (جريدة عكاظ - 13 أكتوبر 2010م) أن هذا الانخفاض متعلق، في الأغلب، بالسعوديين ولم يطل العمالة الوافدة أو لم يؤثر فيها، لأن نسبة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى خارج المملكة العربية السعودية زادت بنسبة 12%، معتبرة أن تدبير أمور الحياة براتب أقل من ألف ريال سعودي شهرياً أمر غير إنساني وغير منطقي.
ولعل هذه الإحصائية توضح الخلل الهيكلي في سوق العمل، والتحديات التي تواجه السعوديين طالبي العمل، ومنها تدني مستوى الأجور وضعف الحوافز، وهو ما أشار إليه تحديداً د. مدني عبد القادر علاقي، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء الأسبق، الذي ذكر في لقاء أجرته معه جريدة المدينة المنورة (13 أكتوبر 2010م) أن مشكلة البطالة تتزايد سنوياً في الوقت الذي تزداد فيه معدلات استقدام الأيدي العاملة من الخارج، مشيراً إلى أن البطالة الآن أصبحت بين الجامعيين وحملة شهادات الماجستير والدكتوراه من السعوديين، موضحاً أن ابنه عانى من البطالة لمدة عام كامل بعد عودته من الخارج مع أنه من حملة شهادة الماجستير.
وما أوضحه الدكتور علاقي يتسق مع ما ذكرته في محاضرتي من وجود بطالة جديدة بدرجة خمس نجوم، وهي بطالة خريجي الابتعاث، إذ تخرج منهم هذا العام نحو 1300 طالب بدرجة جامعية، ولم يحصل أغلبهم على وظائف، وأن هناك حالياً أكثر من 90 ألف طالب مبتعث، سيتخرجون خلال السنوات القليلة القادمة، وينضمون إلى عرض العمل في سوق لم تعد قادرة على استيعابهم، بوجود هذا العدد الكبير من العمالة الوافدة، والإصرار العجيب غير المبرر، على زيادة معدلات الاستقدام، كما يقول الوزير علاقي، الذي أكد أن نسبة العاملين السعوديين في القطاع الخاص لا تتجاوز 11.2% من إجمالي عدد العاملين في القطاع الخاص المقدر عددهم في حدود 4.7 ملايين عامل وسيظل جدل البطالة السعودة مستمراً.
(*)رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض -JAZPING: 6354