يجلس شاردا على حافة الطريق.. تأمُّل الآخرين بدأ يُشعره بالملل.. نظرات المارين له تُعمّق إحساسه بالوضاعة.. سرواله متآكل وممزق من الركبة والفخذ.. جيوب السروال غير ممزقة لكنها فارغة من أي درهم.. ثمة احمرار وتورّم في ركبته بسبب الحكّة الشديدة التي لا تفارقه.. زبون أنيق يقترب منه.. فُرجت أخيرا.. مهنة ماسح الأحذية لا تدر المال الكثير.. الغريب أن حذاء هذا الوسيم منكوشِ الشعر يلمع، له قامة أجمل من قامة الفتاة التي يلصق صورتها في صندوق أحذيته... يقترب منه ثم يسأله عن سنه وأحلامه ودخله.. يتذكر ماسح الأحذية زيارة السيدة الأنيقة أمس لهذا الحي الجرثومي مصحوبة بالكاميرات والمصورين الذين أخذوا لها صورا كثيرة وهي تقبّل مجموعة من الأطفال المتشردين من بائعي الورود وماسحي الأحذية.. قال له مثقف لمّع له حذاءه أمس إن هذه هي المتاجرة الحقّة ببؤس الآخرين.. لم يستوعب ما قاله له فاعتبره مجرد متحذلق.. اكتفى فقط باستيعاب جيبه للدراهم التي منحه إياها. هذا الوسيم الأنيق صامت يتأمل سرواله وحذاءه.. صفّق أخيرا بيديه وهتف: «مدهش.. ممتاز.. سيعقد كلانا صفقة مربحة.. سأشتري منك حق إنتاج مثل هذا السروال الذي ترتديه لدار الأزياء الخاصة بي وأعمل على تصميم آلاف السراويل من شاكلته.. ما رأيك؟!»