منذ سبع سنوات - تقريباً - وبالتحديد في عام (2004م)، ووزارة الداخلية السعودية ترفع شعار: (لو لم نساعدهم، فسوف يقوم غيرنا بهذه المهمة). وتبنت استراتيجية تقوم
على الواقعية والوعي، وذلك من خلال التوفيق بين القبضة الأمنية، وسحق الأذرع العسكرية في الداخل لتنظيم القاعدة، عن طريق الضربات الاستباقية؛ من أجل المحافظة على أمن الدولة وهيبتها، وبين اجتثاث جذور الفكر المتطرف، وفق سياسة الوقاية، وإعادة التأهيل والنقاهة. بمعنى آخر: التأكيد على أهمية المواجهة الفكرية والمناصحة، بمستوى درجة الاهتمام بالحس الأمني. وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، يمثل أحد أهم التجارب الجديرة بالقراءة والتأمل، والاستفادة منها عبر اعتمادها استراتيجية شاملة وفاعلة وموحدة.
إن عودة ثاني مطلوب أمني، من العائدين من جوانتانامو: (جابر جبران الفيفي)، إلى وطنه قادما من اليمن، وتسليم نفسه للجهات الأمنية السعودية، دليل واضح على نجاح تلك الأجهزة في مواجهة هذا التنظيم، على مستوى الأمن - الإقليمي والدولي -. مع ضرورة الاعتراف بالأدوار الأخرى، إن على مستوى فهم هذه الآفة، ومعتقداتها الأساسية، وأفكارها الرئيسة، أو على مستوى اكتشاف بيئاتهم، ومحاصرتهم، والقضاء عليهم.
ومع اقتراب العام الجاري (2010م) من نهايته، فإن هناك مؤشرات يمكن قراءتها، وهي: أن الأجهزة الأمنية السعودية استطاعت تحجيم بنية تنظيم القاعدة، وضربه في العمق، وتفكيك أنشطته الإجرامية من غسيل أموال، أو اتجار بأسلحة ومتفجرات. وهي - بلا شك - جهود ملموسة، استفادت منها بعض الدول في التصدي لظاهرة الإرهاب، وتجفيف منابعه والوقاية منه.
إن تفويت الفرصة أمام هؤلاء العابثين من أعضاء تنظيم القاعدة، عن طريق الوقوف أمام نشر أيديولوجياتهم المضللة، وتجنيد أفراد آخرين؛ لممارسة أنشطة غير مشروعة، يتطلب إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، الذي سوف يضطلع من بين أمور أخرى، بتنمية آلية لتبادل المعلومات، والخبرات بين الدول في مجال مكافحة الإرهاب، وربط المراكز الوطنية لمكافحة الإرهاب؛ من أجل مكافحة الإرهاب. مع وجود قاعدة بيانات كفيلة بالاستكمال السريع للمعلومات الممكنة، مع الأخذ في الاعتبار بأن: مكافحة الإرهاب تعتبر بمثابة جهد جماعي، يتطلب أقصى درجة من التعاون والتنسيق بين الدول، والاستعداد الكامل لتبادل المعلومات الأمنية، والاستخباراتية على الفور بين الأجهزة المتخصصة، من خلال معدات آمنة.
أهم ما يمكن إضافته فيما تبقى من مساحة، هي الإشارة إلى تصريح - سماحة الشيخ - عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ - المفتي العام للمملكة -، بعودة المطلوب أمنياً (جابر الفيفي)، إلى جادة الصواب، وتسليم نفسه إلى الجهات الأمنية السعودية، الذي نشرته صحيفة (الجزيرة) في تغطيتها للحدث دليل على تكاتف العلماء مع ولاة أمرهم، في مواجهة أفكار تنظيم القاعدة، ورفضهم الشديد لتلك الأعمال الإرهابية، وإدانتهم الصريحة للإرهاب بجميع صوره وأشكاله، وشجبهم للأعمال الشريرة كافة التي تتنافى مع تعاليم الإسلام وأحكامه، وتحرم قتل الأبرياء، وتنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن هذه الإدانة، امتداد لفتوى هيئة كبار العلماء التاريخية في المملكة، التي جرمت من خلالها كل الأعمال الإرهابية، بعد أن تضمنت الفتوى تعريفا للإرهاب؛ ليكون مقبولاً عند الجميع. كما أنّ رأيها الذي توصّلت إليه، فيما يخصّ تعريف الإرهاب، وتجريم أفعاله، وتمويله، لا تعني به السعودية فقط، بل يشمل الدول الإسلامية، وغيرها من دول العالم.