قليلون هم الذين يمتلكون الشجاعة ليغيروا مسار حياتهم عندما يجدون أنهم ساروا في الطريق الخطأ! وقليلون هم الذين لديهم القدرة على الاعتراف بارتكاب الأخطاء في حق أنفسهم وفي حق وطنهم ومجتمعهم ويعلنون أنهم نادمون على ما اقترفوا من ذنوب وآثام!
العوفي والحبردي فعلا ذلك فكانا من الرجال الذين قادوا مسيرة العودة فأنقذوا أنفسهم من براثن الإثم والعدوان، والآن يلحق بهما الفيفي الذي سلَّم نفسه قبل أيام. ورغم أنني أجزم بأن ذلك بتقدير من الرحيم العليم رحمة بهم وبعجائزهم وأسرهم إلا أن هناك سبباً رئيسياً ومهماً يجب ألا نغفل عنه، وهو الذي دفع أولئك المواطنين الذين ضلوا طريق الصواب للرجوع إلى الحق وإلى أحضان الوطن، ولا بد من إرجاع الفضل إلى أهله؛ فما دفع أولئك للعودة والتوبة إلا رجال الأمن المخلصون الذي سدوا المنافذ على الفئة الضالة وحاصروهم وأفشلوا مخططاتهم، فلو كان الطريق ميسراً لتنفيذ جرائمهم لما هربوا خارج البلاد ولما وجدوا هناك فرصة للخلوة بالنفس والتفكير عن بُعد في شناعة ما يقترفون بحق دينهم وأنفسهم وأهلهم، وأن تلك الأحزمة الناسفة والمتفجرات التي راحوا يخفونها في أماكن حساسة في عورات الرجال! لن تغير من الحق شيئاً وأن لحومهم ودماءهم التي ستتناثر في الطرقات لن تؤدي إلى تغيير واقع، ولم يسبق لها أن غيرت في باقي الأمم، فكيف بأمة دستورها القرآن بنهجه القويم! إذاً فتضييق رجال الأمن على معتنقي الفكر الضال جعل بعضهم يجد فرصة للتفكير بينه وبين نفسه بعد أن أصبح التفجير والقتل والتدمير أمراً مستحيلاً ليعود إلى طريق الرشاد! فقد توالت إنجازات رجال الأمن في كشف مخططات إرهابية ليحولوا بين من غُرّر بهم وأن يحملوا لقب (قاتل) سوف يخلد في نار جهنم لو تم له ما يخطط له أولئك القابعون في الكهوف والجبال الذين لا يكفون عن توعد مجتمعهم ووطنهم بتنفيذ أعمالهم المشينة؛ لأن غاية طموحهم تكمن في رؤية الدمار والدخان والدماء! وما يحققه رجال الأمن يستحق التقدير حيث تتابعت جهودهم الاستباقية لحمايتنا وحماية منجزاتنا ومصادر دخلنا من إفساد لا مبرر له سوى انحراف مفهوم الجهاد لدى الفئة التي ضلت الطريق القويم! إن كل ضال يهتدي إلى الحق ويعود إلى مجتمعه وأهله ضربة قوية للتنظيم الذي يعاني الأمرين، فما يكشفه أعضاؤه من ظروف عيش قاسية يعيشونها في منفاهم ستجعلهم يفكرون في العودة والهروب من جحيم القاعدة إلى جنة الأهل والوطن! ومع كل مواطن يعود إلى رشده لنتذكر أن رجال الأمن وتضحياتهم وأرواحهم التي بذلوها فداء للوطن هي السبب الرئيس الذي دفع كل ضال ليعود إلى رشده.. فتحية لهم ولجهادهم، وحق علينا شكرهم والثناء عليهم، ومن الواجب على جميع الجهات الحكومية أن تستمر جهودها في مكافحة الإرهاب ما دام هناك من يسكن الجبال والكهوف متوعداً الآمنين بالقتل والدمار والخراب، وما انتصارات رجال الأمن المتوالية ورجوع الفارين والمطلوبين إلا مصداق للآية الكريمة {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.