تعتبر جريمة التزييف من الجرائم الجنائية التي يعاقب عليها القانون لأنها من الجرائم التي تضر بالإنسانية والحياة البشرية على وجه سواء، والتزييف لا يكون ماديا فقط مثل التزييف في السلع المغشوشة في الدواء وفي الطعام وفي الأجهزة وفي المال وغيرها، بقدر ما يكون معنويا أيضا وهو الأخطر، والمزيفون المعنويون نراهم بهذا يعملون جاهدين على إدخال التشويش أو التمويه على بعض الأفراد أو المجتمعات أو الفئات وفق صور غير حقيقية وغير صادقة يحصل بعدها المزيفون على فائدة مادية، وذلك بلصق جزء من التهم الدونية لهؤلاء الأفراد أو المجتمعات أو الفئات، فيكون هؤلاء المزيفون قد عملوا عملا خطيرا وغير حقيقي لبعض شرائح المجتمع وفئاته المختلفة من أجل التكسب والتربح وكسب مزيد من الشهرة الكاذبة على حساب القيم والمبادئ والأخلاق والتاريخ، إن المزيفين يحاولون تغيير الحق والحقيقة والعدالة والصدق من خلال تبديل وتغيير البيانات والمعلومات وتأليف صيغ جديدة من شأنها الإخلال بالنظم والقيم الاجتماعية لأغراض ذاتية غير واعية وغير مدركة لحقائق الأمور والشؤون، إن الدمامل لا تنتج سوى القيح والصديد والجراثيم والبكتيريا، وكذلك المزيفون لا ينتجون سوى العفونة واللغط والانحرافات الفكرية والسقطات الأخلاقية، إنهم مجرد طحالب تنمو في ترع الخراب والدمار، لهم نقيق ضفادع، ومواء قطط، وروغان ثعالب، وخداع مرايا، يدعون الصدق والإخلاص والمبادئ الحسنة والأخلاق، لكنهم في الظلام يمارسون أبشع الخيانات العظمى والدسائس، إن هؤلاء المزيفين يمشون ويتكلمون ويخطبون ويشعرون بلا شعور وبلا أحاسيس وبلا لحن جميل، إنهم يشبهون الأموات الذين في القبور بلا ريب، أو كالطبل الأجوف تذهب بصوته الرياح العاتية إلى مجاهل الكون، لا تخرج من أفواههم إلا الجمرات الحاقدة التي تتحول بعدها إلى رماد يشبه الظلام المخيف، إن المزيفين مثل الذي يرمي القمة بالحجارة لكنهم لا يعرفون أو يتجاهلون بأن هذه الحجارة ستعود حتما فوق رؤوسهم، إن الذين يرتدون النظارات منا عليهم أن يخلعوا نظاراتهم وليمسحوا عنها ذرات الغبار المتراكم لكي يتسنى لهم معرفة هؤلاء المزيفين جيدا القدماء منهم والجدد وتفحصهم ومن ثم نفيهم إلى مجاهل النسيان ورميهم في أوديته السحيقة، إن هؤلاء المزيفين يقبعون حولنا لكنهم مميزون مثل نبات الفطر لا يعيش إلا على خراب العالم وأنقاضه، فلنزدريهم ولنسخر منهم ولا نشفق عليهم ولا تأخذنا بهم رأفة ولا رحمة، لأنهم تعملقوا طويلا في تزييف الحقائق وإرساء الباطل ومجافاة الصدق وابتعدوا عن الأمانة في الطرح وفي القول وفي الرواية وفي القصيد بعيدا عن المبادئ والأخلاق والترفع عن صغائر الأمور ليصلوا بعدها إلى القمم بغفلة منا، إنهم مرايا كاذبة، توهموا أكاذيبهم صدقا، وادعوا شواهدهم علنا، يحسبون أنفسهم أذكياء، وغيرهم أغبياء، لكنهم انكشفوا الآن ولم تعد ملابسهم الثقيلة التي يرتضونها قادرة على ستر عوراتهم البشعة.