لم تعد الأوضاع في الأقطار العربية تهم أهلها فقط، بل تمتد تأثيراتها إلى دول الجوار بل الإقليم والعالم أجمع، فالعلاقات الدولية في هذا العصر أصبحت متشابكة ومتداخلة بحيث تتأثر دول الإقليم ببعضها البعض سلباً وإيجاباً.
والقضية العربية التي تعاني من أزمة مزمنة، هي القضية الفلسطينية التي أفرزت أزمات مرادفة أخرى تهدد المنطقة بالتفتت وفقدان هويتها القومية مثلما أوجدته الأزمة العراقية التي أخذت تولد إفرازات سلبية بدأت منذ حماقة احتلال الجيش العراقي لدولة الكويت ووصلت إلى ذروة مخاطرها المضررة باحتلال العراق وإخراجه من حسابات القوة العربية وتحويله إلى حالة صراع ومساحة للمشاريع السياسية والإستراتيجية من خارج المنطقة.
وبموازاة المشكلة العراقية تفاقمت الأوضاع في لبنان مهددة السلم الاجتماعي والتوازن التعددي الذي بني عليه التعايش بين طوائف هذا البلد؛ بحيث تحول هذا التميز التعددي الحضاري من عامل إيجابي إلى عامل سلبي يهدد مكوناته بالإلغاء إلى حد الاقتراب بعد أن وجد غرباء المشاريع الفرصة للنفاذ إلى داخل هذه المكونات وتوظيفها لخدمة مصالحه، ومساعدته على تنفيذ إستراتيجياته التي لا يمكن أن تتحقق بوجود تماسك مكونات المجتمع، وهكذا وجد التنافر بين مكونات المجتمع اللبناني بحيث أصبحت كل طائفة تتوجس من الأخرى.
ولأن لبنان هو الوجه الحضاري للعرب جميعاً، وأن تجربة التعددية والتعايش السلمي لمكوناته عنوان لما يجب أن تكون عليه المجتمعات العربية في حفاظها واحترامها لمكونات بعضها البعض من خلال الحفاظ واحترام حقوق الآخر، كان لا بد من حكماء العرب من قادة الدول العربية التحرك لإنقاذ هذه التجربة الحضارية ورفدها بما يعزز بقاءها وتطورها ونموها حتى تنعكس إيجابياً على الأزمات العربية الأخرى، وهنا جاءت قيمة العمل والتحرك السعودي السوري الذي لا يستمد قوته من التماس الجغرافي والمسؤولية القومية فحسب، بل استشعاراً لمعنى المسؤولية المشتركة، ولثقة الأطراف العربية الأخرى بإخلاص من يضطلعون بهذا الدور وخاصة القيادة السعودية التي يرى فيها اللبنانيون كما الفلسطينيون والعراقيون، القاعدة الصلبة والجهة الآمنة والصادقة التي لا تبخل في القيام بدورها بكل إخلاص وتجرد لتحقيق المصلحة العربية العليا.
من هنا يقرأ المتابعون والمحللون ما بُحث في القمة السعودية السورية التي اهتمت كثيراً في تعزيز السلم الاجتماعي في لبنان وإبعاد نيران الفتنة لتعزيز التعايش الحضاري حتى تظل هذه الجذوة متقدة ليصل امتدادها للعراق وفلسطين؛ لأن الحفاظ ورفد التعايش السلمي في لبنان سيُفشل المشاريع القادمة من خارج الوطن العربي، ويعزز الدور العربي القادر وحده على تعزيز الهوية العربية والمصالح العربية العليا.