|
القاهرة - سجى عارف:
حذر الشيخ والداعيه الإسلامي سلمان العودة من تحول الخطاب الديني إلى أداة للتقاتل والصراع أو أداة لنشر اليأس والإحباط، وقال» الخطاب الديني الرشيد خطاب يحافظ على التوازن والعلاقة ويركز على المشتركات بين الشعوب»، موضحا أن قضية الدين باتت عند الكثيرين من الشباب العربي والمسلم مرتبطة بموضوع الصراعات المذهبية، رغم أن المذاهب عاشت طيلة القرون الـ 14 الماضية ضمن كنف الحضارة الإسلامية وفي حماية الدولة الإسلامية، جاء ذلك خلال كلمة الشيخ سلمان العودة في الصالون الثقافي السعودي»المقعد» والذي أقامه معالي السفير هشام محي الدين ناظر سفير خادم الحرمين الشريفين مؤخرا، بحضور نخبة من كبار المسؤولين والمفكرين والصحفيين المصريين والعرب. وكان موضوع الحوار»الشباب والتحديات المعاصرة».
ووصف الشيخ العوده في حديثة الذي اتسم بالصراحة والوضوح الصراعات المذهبية اليوم بأنها أخذت أبعادا أخرى إن شاهدنا البعض يقيم احتفاليات للشتم والسب التي تطال رموزا تاريخية ودينية قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا العودة إلى صياغة خطاب إسلامي ناضج ومعتدل بعيدا عن ردود الأفعال والانفعالات، محملا وسائل الإعلام، الفضائيات والإنترنت، مسؤولية هذا الأمر بعد أن سمحت تلك الوسائل لأي فرد بأن يتحدث ويسمعه الآلاف بعد أن كان عدد مستمعيه لا يتعدى العشرات.
وحول سماحة الإسلام وتعايشه مع الحضارات الأخرى قال الشيخ سلمان العودة إن الإسلام أسس حضارة لا تدعو إلى الانغلاق بل تدعو إلى التعايش، لافتا إلى أن البيئة الإسلامية الأولى التي تشكلت في المدينة المنورة ضمت يهودا ووثنيين ومنافقين وكان التعايش هو السمة الرئيسية لتلك البيئة. وأكد العودة أن هذا التعايش يبين لنا دور الدين في صناعة النهضة والتنمية وفي الحفاظ على إنسانية الإنسان وفي تحقيق متطلبات الناس، ولكن شريطة أن يكون الخطاب الديني حافزا للناس ودافعا لهم للعمل وليس داعيا إلى القعود تحت مظلة الإيمان القضاء والقدر.
وتطرق سلمان العودة في حديثة إلى العلاقة المذهب والدوله وقال» المشكلة أن هناك البعض ممن ولاؤه للمذهب وليس الوطن.. بل إن هناك من فاق ولاؤه للمذهب مصالح الأوطان بل تقلص الولاء إلى أن يكون لسياسة دولة.. أما بالنسبة للحوار بين المذاهب وأتباعها، فأشار الداعية الإسلامي إلى أن هذا الأمر موجود في مؤسسات ومنظمات إسلامية كبرى، مثل رابطة العالم الإسلامي التي تستضيف مراجع وعلماء جميع المذاهب الإسلامية. وأشار سلمان العودة إلى أن الهوية تعد أحد القضايا الرئيسية التي ترتبط بالتحديات التي تواجهه الشباب العربي والمسلم، وقال»الهوية في غاية الأهمية لأن الهوية ينظر إليها باعتبارها ترسم شخصية الفرد والجماعة وتحافظ على وجودها وكينونتها وينظر إليها أيضا باعتبارها دافعا وحافزا للإبداع»، مؤكدا أن الهوية «ليست سجنا مغلقا».
وأوضح سلمان العودة أن الدين يعد جزءا رئيسيا للهوية، بل هو أساس الهوية، مشيرا إلى أن الإسلام تاريخيا كان وعاء يستوعب كل الذين يعيشون داخل حدود الحضارة الإسلامية، بل إن الكثيرين من أتباع الديانات الأخرى يعيشون ضمن حدود الحضارة الإسلامية كان ولاؤهم الأول والأخير لتلك الحضارة. وأعتبر سلمان العودة أن الوطنية ليست نقيضا للانتماء العام الذي يشكل تعاونا وتآزرا بين الدول الإسلامية والعربية ولا تشكل نقيضا للتواصل العالمي، مؤكدا أن الإسلام دين يدعو إلى الانفتاح مع العالم والاستفادة من تجارب العالم، وقال»الإيمان بالوطن جزء بالإيمان بالله ورسوله»..
وتوقف سلمان العودة أمام قضية العروبة وعلاقاتها بالهوية، وقال»العروبة مكون رئيسي من مكونات الهوية»، مؤكدا أن العروبة ليست نقيضا للانتماء للإسلام، معتبرا أن كل من تكلم العربية فهو عربي، بل كل من عايش المجتمعات العربية فهو عربي، وحذر من تحول العروبة إلى عنصرية أو قبلية تتسبب في اشتعال الصراعات، وتحشد الشعوب ضد بعضها البعض.
وأكد سلمان العودة أن اللغة العربية جزء من الهوية، لكنه تساءل قائلا «أي لغة نقصد.. هل هي اللغة العربية الفصحى الموجودة في المعاجم التي لا يفهمها الكثيرون من الناس أم هي اللغة العربية السهلة الصحيحة المفهومة التي يمكن أن تكون قاسما مشتركا؟»، ورأى العودة أن اللغة التي يقصدها هي تلك الثانية، داعيا وسائل الإعلام إلى إنجاز أو ابتكار مفردات عربية سهلة والعمل على جمعها واستخدامها في وسائل الإعلام لتكون قاسما مشتركا بين الشعوب العربية بما يحافظ على اللغة العربية ويعزز العلاقات بين العرب على المستوى الشعبي، محذرا من أن نصف لغات العالم معرضة للزوال وفي كل يوم عدد من اللغات تنقرض من الوجود، واللغة العربية تتعرض كغيرها لتحديات يتعين العمل على مواجهتها.
وحذر سلمان العودة من التعامل مع الشباب باعتبارهم يمثلون خطرا أمنيا ومجتمعيا، مؤكدا ضرورة الاهتمام بالشباب والتعامل معهم باعتبارهم المستقبل، وذلك من خلال التقويم وبناء الثقة والقناعة لديهم وليس من خلال الحظر والمنع والحجر. وأكد أهمية استمرار الحوار بين الأجيال، والاستماع إلى الشباب، حتى لا تكون هناك قطيعة بين الأجيال.
وأشار سلمان العودة إلى تحد آخر يواجه الشباب، وهو عصر المعرفة، مشيرا إلى مفارقة غريبة تتمثل في أن الإسلام هو حقا دين المعرفة، ولكن المسلمين الآن يواجهون انقطاعا معرفيا مع العالم، متسائلا «أين نصيب المسلمين من التطورات التي يشهدها العالم حاليا؟»، محذرا من تراجع الإنفاق على البحث العلمي في العالمين العربي والإسلامي، قائلا إن «ميزانية إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية قد تعادل ميزانية دولة من دول العالم الإسلامي».
وتساءل سلمان العودة عن السبب في تخلف الشعوب العربية عن نظرائها من شعوب العالم، مؤكدا أن هناك مشكلة في البيئة العربية تعيق عملية التنمية والنهضة وتجهض الكثير من المشاريع الكبيرة، مشددا على احتياج العالم العربي إلى»النموذج» الذي يمنح الأمل ويضيق الفجوة الواسعة بين الحلم الذي يعيشه الكثيرون وبين الواقع.
يذكر أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أعلن عن مشاركة يشارك فيه علماء ومفكرو الأمة الإسلامية من مختلف بقاع العالم الإسلامي للحديث عن مشاكل الأمة في الوقت الراهن، متمنيا أن يكون الحديث في هذا المؤتمر ليس حديثا أكاديميا، وإنما حديث من القلب يكشف الحقائق والمشكلات ويطرح حلولها ويتحدث عن الواقع».