عنيزة - خالد الروقي

لم تتخل الدولة حفظها الله عن أبنائها عند ارتكابهم لخطأ معيّنٍ، وحرصت على إعادتهم أعضاء فاعلين بالمجتمع، فأنشأت الإصلاحيات للتقويم وتعديل إعوجاج من اقترف ذنباً وبذلت الجهات المعنية بهذا الشأن جهوداً واضحة للعيان لا يجهلها عاقل من إقامة للندوات والمحاضرات وسعي مستمر للتثقيف واتساع المدارك، ولم تغفل الكثير من الجوانب التي من شأنها تحقيق أهدافها وتطلعاتها، إلا أن الملاحظ لنواتج هذه الجهود يجد بأن هناك طريقين يتلقفا السجين عند خروجه الأول منهما طريق يحتضنه ويهتم به حتى يعود عنصراً مهماً في مجتمعه خادماً لدينه ووطنه ومليكه لتعم الفائدة حياة السجين ويخرج بنتاج إيجابي جراء فترة مكوثه، وهذا ما يُعزز من جهود الإصلاحيات الناجح، بينما الطريق الأكثر وعورة والأشد قسوة هو الذي من خلاله لا يحقق السجين أي فائدة من بقائه في السجن لا يلبث أن يتراجع أدراجه مرة أخرى في موقف يحتاج لوقفة صادقة من أطياف متعددة في المجتمع ويبقى السؤال عن سبب العودة قائماً وإجاباته متأرجحة بين هذا وذاك.

شخصية السجين

الجزيرة أبحرت في هذا الموضوع وحصلت على آراء مختلفة حيث البداية كانت مع مدير عام سجون منطقة القصيم العقيد صالح القرزعي الذي قال: أولاً أشكركم على جهودكم المبذولة، وثانياً أجمل بعض أسباب العودة للجريمة على النحو الآتي: ضعف الوازع الديني وهي أسباب متعلقة بشخصية السجين كضعف الشخصية فيكون أسيراً للجريمة ولأصدقاء السوء بالإضافة إلى عدم تقبل المجتمع للسجين بعد خروجه من السجن فيشعر بالتحقير الاجتماعي وتخلي المجتمع عنه والنظرة السلبية من قبل المجتمع له وهذا بدوره يشكل عبئاً ثقيلاً من الناحية النفسية والاجتماعية له مما يعود على أثره للجريمة وكذلك العوز الاقتصادي، فبعد الإفراج عنه تغلق الأبواب أمامه ولا يجد عملاً أو استقبالاً من المجتمع مما يحدوه إلى العودة لنفس البيئة التي تحيط به قبل دخوله السجن ومنها الفراغ والبطالة وأصدقاء السوء وأيضاً من الأسباب تدني المستوى الثقافي والعلمي وإهمال بعض الأسر في التربية والتنشئة لأبنائها.

أما البرامج الإصلاحية والتأهيلية العلاجية داخل السجون فتهدف إلى مساعدته على التكيف مع الحياة الجديدة منذ اليوم الأول لدخول السجن، كما تعمل على حل كافه المشاكل التي يتعرض لها سواء مع نفسه أو مع السجناء الآخرين أو حتى مع المجتمع الخارجي بما فيه أسرته، وتسعى برامج الرعاية الاجتماعية إلى استمرار حالة التوافق النفسي والاجتماعي لدى السجين طوال فترة بقائه في السجن وليس هذا فحسب بل تحرص على إعادة تأهيله ليخرج للمجتمع عضواً فاعلاًًًًًًً ونافعاً لنفسه ولمجتمعه ومن أبرز تلك البرامج الإصلاحية التي تقدمها الدولة ممثله بالمديرية العامة للسجون هي على النحو التالي:

برامج الإرشاد والتوجيه ومنها حلقات تحفيظ القرآن الكريم ومنح مكافآت لمن يحفظ القرآن أو أجزاء منه وتخفيض المحكومية بحسب عدد الأجزاء التي يحفظها والمحاضرات التوعوية والدروس العلمية والمسابقات وزيارة المكتبات داخل السجون وإقامة النوادي والمراكز الصيفية.

برامج الرعاية الاجتماعية والنفسية للنزيل وأسرته ومنها الضمان الاجتماعي للأسر المحتاجة والخلوة الشرعية واليوم العائلي داخل السجن أو خارجه والبرامج الترويحية والثقافية والرياضية والرعاية الصحية ودورات تعنى بتنمية قدرات النزيل الشخصية لتغيير المفاهيم الخاطئة لدى النزيل.

برامج التدريب المهني حيث تقوم المؤسسة العامة للتدريب المهني بتدريب النزلاء في عدد من التخصصات حسب حاجة سوق العمل بهدف إكسابه مهنة شريفة للعمل بعد خروجه من السجن وبرامج التعليم لمختلف المراحل حتى المراحل الجامعية، ويشارك المديرية العامة للسجون جهات حكومية وأهليه لتنفيذ هذه البرامج أهمها: الجامعات، إدارة التربية والتعليم، المؤسسة العامة للتدريب المهني, الشئون الاجتماعية، الشئون الصحية, الشئون الإسلامية, المعاهد العلمية, الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، اللجنة الوطنية لرعاية النزلاء وأسرهم والمفرج عنهم، وكذلك الجمعيات الخيرية وفي الختام أشكر لكم جهودكم وتواصلكم لما يخدم الصالح العام.

التدريب المهني

في حين تحدث رئيس مجلس التدريب المهني والتعليم الفني بمنطقة القصيم الدكتور عادل بن حمد الزنيدي عن دور المجلس في إعادة تأهيل السجين إذ قال: أولاً لاشك بأن جهود حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في هذا الجانب جهود جليلة ومشرفة وتستحق من الجميع الثناء والإشادة، وفيما يتعلق بالمجلس فإن المجلس ووفق رؤية المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني يقيم أنشطة وفعاليات من شأنها تأهيل السجين داخل الإصلاحية وإعادته عنصراً فعالاً ومهماً، فمعاهد التدريب المهني بالسجون تهتم بإكساب النزيل مهارات تخصصية ليتسنى له من خلالها العودة عنصراً منتجاً لوطنه ودينه وحرصت المؤسسة لتأمين البيئة المناسبة من كافة النواحي حيث تم اعتماد (138) مليون ريال قيمة إنشاء 23 معهدا ًمهنياً داخل الإصلاحيات، كما تشرف المؤسسة حالياً على 30 موقعاً تدريبياً بالتعاون مع إدارات السجون المسئولة ومن أبرز المهن التي تُنفذ الحاسب الآلي والكهرباء والتمديدات الصحية والسمكرة والنجارة والخياطة بالإضافة إلى التبريد والتكييف واللحام وإلى ما يُحتاج إليه مستقبلاً حسب الإمكانيات كما تسعى المؤسسة على إيجاد فرص عمل مناسبة ومهمة من خلال مركز المنشآت الصغيرة الذي يهتم بالمساعدة على العمل الحر وتوفير الأرض الخصبة لذلك من خلال تقديمه لقروض تصل إلى 200 ألف ريال عن طريق البنك السعودي للتسليف والادخار بلا فوائد وبشروط ميسرة كما يتم احتضان مشروع الفرد ودعمه بإخصائيين ذوي خبرة ودراية لفترة تصل إلى ستة أشهر لكي يكون المشروع قوياً وقادراً على المضي قدماً إلى الأمام ولعل هناك الكثير من الفوائد التي يجنيها المركز من أبرزها إعطاء الفرصة للشباب لخدمة دينه ووطنه ومليكه ومنحه الثقة ليكون عنصراً منتجاً بدلاً من العمالة الأجنبية وبهذا نكون ساهمنا في تقليص البطالة وزيادة دخل الفرد الوطني مقابل تخفيض دخل العامل الأجنبي ونجد ولله الحمد من خلال برامجنا تجاوباً كبيراً ونماذج مضيئة استطاعت مساعدتنا بتأهيل إمكانياتها والعودة عناصر فعالة تخدم المجتمع.

الجدير ذكره في هذا السياق أن المؤسسة قد وفقت خلال العام المنصرم 1430-1431هـ بتنفيذ وتشغيل (3) معاهد للتدريب المهني بالسجون في مدينة الرياض ومكة المكرمة وجدة ويجري استلام وتشغيل (6) معاهد تدريب في كل من مدينة سكاكا, تبوك, جازان, رفحاء, الخبر, بيشة وكذلك تشكيل لجنة توجيهية للبرنامج تقوم بالتخطيط والمتابعة لعملية التدريب داخل السجون بالإضافة إلى قبول (1685) متدرباً بجميع معاهد سجون المملكة القائمة وتخريج 472 متدرباً والمستمرون بالتدريب (936) متدرباً وإجمالي المقبولين منذ بداية التدريب الذي انطلق عام 1425هـ (10364) متدرباً.

نجاح العقوبات البديلة

السؤال نفسه طرحناه على جهة مهمة ولها شأن كبير فيه حيث يدلي مدير عام فرع الشؤون الاجتماعية ورئيس لجنة رعاية أسر السجناء بمنطقة القصيم (تراحم) الدكتور فهد بن محمد المطلق برأيه حول الموضوع بقوله: من خلال التجربة والرصد التي تمت في لجنة رعاية السجناء بالقصيم (تراحم) اتضح أن أبرز الأسباب هي عدم عودة المفرج عنه إلى عمله الأساسي مما ينتج عنه قلة ذات اليد والحاجة والشعور بالنقص وكلها مجتمعة تقود إلى عالم الجريمة مرة أخرى، كما أن من أهم الأسباب كذلك رفض المجتمع للمفرج عنه كسجين سابق وذلك من خلال نبذه وعدم التعامل معه أو تزويجه أو حتى توظيفه وهذه تخلق العدائية للمجتمع في ذهنية المفرج عنه والذي يشعر أنه يعيش بين أعداء لا يمكن الاندماج معهم كذلك من الأسباب خروج السجين وهو يعيش عقدة النقص وفي ذهنه أن المجتمع كله يرفض التعامل معه أو إعطائه فرصة أخرى للعيش بحياة كريمة مما يجعل المفرج عنه منعزلاً في بيته ومنكفئاً على نفسه ولا يرغب في الاختلاط بالآخرين وبفضل الله تعالى شكلت لجنة رعاية السجناء بالقصيم (تراحم) فريق الرعاية اللاحقة متخصص لدعم المفرج عنهم اجتماعياً والسعي معهم لدمجهم والبحث لهم عن وظائف وتدريبهم وتأهيلهم يقوم عليه مجموعة من أهل الخبرة والموثوق بهم وذلك من خلال لقاءات فردية وجماعية وعبر برامج معدة لذلك كالرحلات والعمرة واللقاءات الاجتماعية، وقد كان لمقام إمارة منطقة القصيم مشكورة وبدعم مباشرة من قبل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أكبر الأثر في تفعيل برنامج الرعاية اللاحقة والذي نأمل أن يكون الحلقة الأقوى لوصل المفرج عنهم بالمجتمع بكافة أطيافه ومحاولة إعادتهم لوضعهم الصحيح كما أن فريق الرعاية اللاحقة يخاطب المجتمع من خلال برامجه لتوضيح نتائج رفضهم لقبول المفرج عنهم والذي ثبت صلاحهم وتحسنت أوضاعهم وأصبحوا أعضاء فاعلين وأن رفض المجتمع لهم سيكون من أهم وأبرز أسباب عودتهم إلى الخطأ ومن ثم العودة إلى حجرات خلف القضبان يفقدهم أسرة هي بأمس الحاجة لوقوفهم معها وحمايتهم من تقلبات الحال ونتائج نقص المال واختفاء رب الأسرة.

ويضيف الدكتور المطلق: نعتقد أن من أهم الوسائل المساعدة على الحد من العودة إلى الإصلاحية تفعيل البرامج والأنشطة الهادفة إلى التأهيل والتدريب والتي من شأنها تغيير كثير من المفاهيم لدى السجناء وتساعدهم على اكتساب خبرات جديدة كما تمنحهم رؤية الحياة بشكل أفضل, ومن الأسباب المساعدة في عدم العودة وتكرار الخطأ تطوير مباني الإصلاحيات وتنظيمها مع أهمية الأخذ بمبدأ التصنيف داخل السجون من حيث نوعية الجريمة والعمر فالخلط بين أصحاب القضايا المختلفة والأعمار المختلفة يعطي نتائج سلبية عكس ما قصد به من الحكم للإصلاح.

ولعل من المهم جداً كوسيلة لمعالجة مسألة العودة التوسع في تطبيق العقوبات البديلة والتي من شأنها أن تحقق الهدف دون حبس الحرية أو تعدي العقوبة إلى أشخاص آخرين ليست لهم علاقة بها كأسرة السجين مثلاً، ولعل بعضاً من التجارب التي تم تطبيقها كعقوبات بديلة أثبتت نجاحها إلا أن الأمل في التوسع المحمود في بعض الأحكام.

مع أسر السجناء

الجزيرة طرقت بأسئلتها منازل أسر السجناء لأخذ آرائهم في (السجين وعودته مرة أخرى إلى الإصلاحية) والأضرار المختلفة التي تعيشها الأسرة جراء هذا الحال البداية كانت مع السيدة (أم ناصر) التي تعاني الأمرين من ابنها الذي ظل يرتاد الإصلاحية باستمرار مسبباً بتصرفاته هذه الكثير من الأمراض المزمنة لها ناهيك عن كبر سنها حتى أصبح حالها لا يسر ومنظرها مؤلم حد تمزق القلب وتبوح للجزيرة بقولها: ليس لي من الأمر شيء سوى الدعاء بالصلاح والهداية له، وإن كان أرهقني كثيراً وقطعت كل سبل الأمل في عودته كما كان سابقاً، وأتمنى أن يشعر بمعنى الأمومة وكيف تحترق الأم لابنها وتذرف الدمع لأجله مختتمة ًحديثها بسرد بعض قصصها أثناء زيارتها له ورؤيتها لحاله خلف القضبان وكيف تحاول حبس دموعها عنه.

سيدة أخرى تدعى (أم نايف) وبعد أن أجهشت بالبكاء شرحت لنا عن حالتها الصحية عندما يودع ابنها الإصلاحية حيث رمت بالمسؤولية كاملة على رفقاء السؤ حيث تقول إنهم ينتظرون خروجه على أحر من الجمر ليصادقوه من جديد حتى تتفاجأ بالقبض عليه مرة أخرى رغم محاولاتها اليائسة لتحذيره منهم ومن صداقتهم مؤملة بمتابعة أهل الاختصاص لحالة السجين منذ خروجه ووضع هذه النقطة تحت الاعتبار لأنها حد قولها(المحك الرئيسي).

سيدة ثالثة رمزت لنفسها ب (م. س) تتحدث عن معاناتها مع زوجها الذي لا يأبه بوجود طفل بينهما ينتظر رعاية الأب بقولها إن زوجها هداه الله لا يكف عن مرافقة أصدقاء السوء الذين يعتبرون السبب الرئيسي لتدهور حياتنا وفصله من عمله وبالتالي إيداعه غير مرة في السجون وهذا ما يجعلني في حيرة مستمرة هل استمر معه أم أطلب الانفصال؟ وماهو ذنب ابننا؟.

في حين يرى رجل خمسيني بأن ضعف الوازع الديني هو الدافع الرئيسي لارتكاب الجريمة ويستدرك بالقول يجب أن نقف بصفه عندما تظهر علامات اعتداله واستفادته من دخوله للسجن ونمد له يد العون ليتسنى له تصحيح مساره والحقيقة أننا في عائلتنا في مثل هذه الحالات وبعد خروج السجين نستقبله ونقف حوله ونساعده كل بما يستطيع سواء بتزويجه أو البحث له عن وظيفة أو جمع مبلغ من المال له ليبدأ العمل به بنفسه.

موقف القطاع الخاص

الجزيرة استقصت آراء رجال الأعمال، وآراءهم في تقبل السجين حيث التقت برجل الأعمال الأستاذ ياسر بن محمد الدفاع الذي أوضح وجهة نظره بقوله: أرى بأن نظرة المجتمع تجاه السجين نظرة متوسطة فلم تكن حادة بقوة لدرجة الرفض أو راضية لدرجة الغفران التام ونسيان الخطيئة وأرى بأن السجين هو نفسه من يحدد مسار نفسه وهو من لديه الاستطاعة لأن يعود إلى رشده وإلى جادة الصواب ويمحو الصور السلبية المترسبة داخل الأنفس عن السجين.

ويرى الأستاذ الدفاع بأنه سيتعامل مع السجين كأي موظف لديه بل على العكس ربما يكون هناك عفو وتجاوز عنه في حالة الخطأ المعقول والمقبول ومكافأته في حالة إبداعه وتميزه واجتهاده لأنه في هذه الحالة ستكون سبباً رئيساً لهدايته وعودته للطريق الصحيح، موجهاً تساؤله إذا نحن كمنظومة داخل المجتمع لم نقبله فمن يقبله إذاً؟.

كما وجه رسالته للسجين بقوله: الحال نفسه ينطبق على السجين فيجب عليه الاستفادة واحتساب الأجر في خطيئته الأولى ليغفر الله له ثم يغفر المجتمع له أيضاً لذلك، فالمسألة تكاملية من أطراف عديدة ويجب على كل طرف القيام بدوره على أكمل وجه ليتحقق الهدف.

* وفي اتصال هاتفي مع رجل الأعمال وصاحب مجموعة ماربيا للأجنحة الفندقية الأستاذ أحمد الضيف التميمي قال: في البداية لابد أن نؤمن بأن كلنا خطاء وخير الخطائين التوابون، ومما لاشك فيه بأن الهداية والإصلاح من الله عز وجل ويظل دور المجتمع دور مهم وحيوي في عملية تأهيل السجين للحياة وإعادته نقطة مؤثرة وإيجابية، ولا ننسى بأن المجتمع فيه خير بالرغم من حكمه الأبدي في بعض الأحيان وشخصياً أرى بأنه من الواجب علينا أن نتقبل السجين ولا نهمشه ونعطيه الفرصة ليثبت نفسه بل مكافأته في أحيان كثيرة ليكون هناك نوع من الثقة المتبادلة بين الجميع وأتمنى عدم تحميله خطيئته الأولى لأن في ذلك كما يبدو لي إجحاف لا مبرر له.

رجل الأعمال الأستاذ إبراهيم بن سليمان الفنيخ أفاد بأن متابعة حالته بعد العفو عنه أمرٌ في غاية الأهمية وهي النقطة التي تحتاج لدراسات مطولة إذ يقول: لابد أن يكون هناك جهات مسؤولة تهتم وتحرص على تأهيل وتقويم السجين بعد خروجه من الإصلاحية ليعود مواطناً له دور إيجابي في المجتمع لأنني أرى بأن هذه النقطة ضرورية وهامة جداً وعلى ضوئها يترتب إصلاح السجين من عدمه وبكل صراحة هي النقطة التي تحتاج لتفعيل من الجهات المسؤولة لتحقيق الهدف المأمول.

ويضيف بقوله: يلزم إعطاء السجين فرصة لإثبات كفاءته ومدى قدرته على العودة ودفع عجلة الحياة لأن السجين يظل بشراً ومنا وفينا ولابد من وقفة صادقة معه لاسيما أن البعض متزوج ولديه بيت وأولاد بشرط أن يبدي هو تفاعلاً في هذا الجانب.

مرآة المجتمع

وعندما انتقلنا إلى أخذ آراء أفراد من المجتمع قال في البداية ماجد الجناحي: أنه بعد خروج السجين من الإصلاحية من الأفضل أن تكون هناك مراجعة أسبوعية خلال شهرين تقوم بها لجنة معينة تهتم بدراسة حال السجين (هل توظف؟, هل تزوج؟ ماذا تم حيال مستقبله؟) وسؤاله عن شئون حياته بشكل عام وأن لا يكون آخر عهد لنا به عند بوابة الإصلاحية.

ويزيد: لا يخفى على الكثير أن المادة هي عنصر الحياة المهم لذا مسألة توفير مادة للسجين بطرق شريفة هي بإذن الله سبيل وقاية له من الانحراف واجتناب طريق الخطأ، وعليه أتمنى أن يكون هناك تنسيق بين لجنة رعاية أسر السجناء والقطاع الخاص، مثلاً لمساعدتهم وإيجاد وظائف تحميهم بعد خروج السجين والتي منها نستفيد معرفة تحديد موقع السجين ومتابعة أحواله بكل سهولة.. وعن رفض فئات كثيرة من المجتمع له يجيب: ربما هي قاعدة متأصلة منذ زمن لكن يجب المساعدة في تغييرها.

أحمد الراشد يتحدث للجزيرة بقوله: مسألة إصلاح السجين هي عملية مشتركة تقع على عدة جهات لعل أهمها وأبرزها هو المجتمع الذي يجب أن يكون أكثر تفاعلاً وتجاوباً مع السجين عند خروجه ونعمل جاهدين ليكون نبتة مثمرة وصالحة وأن لا نطارده بين الفينة والأخرى بكلمة (خريج سجون) لأن هذه الكلمة هي من ستزرع اليأس بداخله ومن ثم تعيده للإصلاحية مرة أخرى كما أعرف من بعض السجناء.. ويضيف الراشد: ربما أن المجتمع بدأ في الآونة الأخيرة يحاول احتواء السجين ودمجه بين صفوفه ليكون ذا فائدة وإنتاجية على عكس ماكان في السابق.

ويقول تركي المشيقح: إن من أشد الصعوبات التي يواجهها السجين بعد خروجه الضغوط الاجتماعية حيث يجد في نظرة المجتمع سوء الظن به واتهامه بالجريمة والتحذير منه وهذه مما يقوده إلى الوحدة والعزلة عن المجتمع مرة أخرى وبالتالي إلى مزيد من الانتقام الذاتي وردة الفعل المعادية للمجتمع بارتكاب الجرائم أوحتى ربما قادته إلى مجتمع يحتضنه ويتقبله ولا يجد في الغالب هذا المجتمع إلا عند رفقاء السوء وهنا يأتي أهمية تأهيل السجين قبل خروجه نفسياً وعلمياً ومحاولة إكسابه حرفة تكون خير سبيل له ومن خلالها يتمكن من الانخراط في سوق العمل دون عوائق، كما أتمنى إيجاد فرص عمل يجدها بعد خروجه حتى لا يعود إلى الانحراف مرة أخرى ويكون عالة على المجتمع.

أحد السجناء يقول: بكل صراحة أتمنى تفعيل دور الإصلاحية حيث أن بعض السجناء يحضر المحاضرة للنوم وكسر الروتين وكان من الواجب عمل مسابقة أو أسئلة إلزامية على الحضور للتركيز على مسألة استيعاب المحاضرة والتفاعل معها بالإضافة إلى أنني أتمنى النظر جيداً بتكوين الصداقات داخل الإصلاحية ومدى فائدتها من أضرارها على السجين ويزيد بالقول: بكل صراحة عبارة (خريج سجون) عبارة قاسية يطلقها ثلة من المجتمع لا تدرك عواقبها الوخيمة.

سجين آخر يقول: الحمد لله أعترف بأنني بعد أن قضيت فترة العقاب داخل السجن استفدت من خطائي الذي اقترفته وحرصت على تصحيح مساري وعدم الانجراف خلف أهوائي ومع ذلك أقول بأن المجتمع لازال يُحمل السجين فوق مايحتمل وللقضاء أو التخفيف من نظرة المجتمع الحادة للسجين أرى بأنه تفعيل العقوبات البديلة لعمومية الفائدة في ذلك.

وعند سؤالنا لإحدى الفتيات هل ستقبلين بشخص تعرفين بأنه قد دخل الإصلاحية أجابت: عن شخصي أرى بأنه إذا استقام وعدل حال الشخص فلا بأس من ذلك لأن الله غفور رحيم لكن لا تنسى بأن نظرة المجتمع لن ترحمني وستظل تلوكني الألسن بين الحين والآخر، لاسيما إذا كان غير مؤهل وظيفياً وكان هناك عجز عن تأمين أبسط متطلبات المعيشة.

بينما تقول أخرى: في البداية أتوقع أنه من الصعب أن يجد إنسانة تقبل به لكن مع مرور الوقت أتوقع سيجد، أما بالنسبة عن نفسي على حسب الجريمة فبكل صراحة القضية هي من تحدد ذلك فهناك قضايا لا يمكن أن تغتفر إطلاقاً بينما هناك قضايا تعتبر عادية لكن إن هو ساعد على نفسه واستطاع إثبات كفاءته فأتوقع أنه لا مشكلة في ذلك.