مَنْ يتنقّل بين المنتديات والمواقع الإلكترونية، ويقرأ ما يُكتب عن سيدة فاضلة ومربية أجيال من مدينة بريدة، يشعر بأنها فعلت شيئًا ضد دينها أو وطنها، مع أن كل ما فعلته - بوصفها تربوية ومالكة مدارس أهلية - أن طبّقت نظامًا جديدًا أقرته وزارة التربية والتعليم، حول إسناد تعليم الأولاد في مراحل التعليم الأولى، حتى السنة الثالثة الابتدائية، إلى معلمات بدلاً من معلمين، وهو قرار حكيم اتخذته الوزارة بعد دراسة وافية، وثقة بأن المرأة أكثر قربًا وحنانًا من الطفل في سنواته المبكّرة.
البعض جعلها قد سنّت سُنّة سيئة، وستحمل وزرها، بينما هي لم تسنّ بقدر ما نفّذت قرارًا تعليميًا، واستفادت من فرصة تعليمية تؤمن هي بها، والبعض الآخر يخشى من تحرّش الأطفال الأولاد بالمدرسات (يا ساتر!)، بينما أغلب هؤلاء يجزم بأن هذه خطوة أولى لتنفيذ التعليم المختلط في جميع مراحل التعليم العام، وينادون بقاعدة سدّ الذرائع، وعدم تنفيذ هذا القرار، ولا أعرف لماذا نحن مجتمع متوتّر إلى هذا الحد، نشعر بأن هناك مَنْ يستهدفنا ويريد تدميرنا، وإفساد أخلاقنا؛ فالغرب ترك كل منجزاته وأحلامه وطموحاته التي لا تنتهي في التطوُّر والتمدّن والاكتشافات، وبدأ يخطط كي يدمرنا!
أعود إلى موضوع التربوية الأستاذة فاطمة الغفيص، التي شرحت لبعض علماء الدين كيفية التعليم في مدارسها، من أن الأولاد في قسم من المدارس، والبنات في قسم آخر، والشيء المختلف هو أن المعلمات هن من سيتولى تدريس الأولاد وتربيتهم في السنوات الثلاث الأولى من التعليم الأولي، وتقول الأخبار الصحفية إن هؤلاء العلماء باركوا خطوتها، لكنّ المتشدّدين هم من استمر يجيّش المواطنين ويحرّضهم ضدّها، هؤلاء الذين يحاربون كل من يخالفهم في الرأي حتى ولو كان عالمًا؛ لأن هذا العالم سيكون فاسدًا ومنافقًا في نظرهم، ومداهنًا!
ولعل النظرة لدى بعض هؤلاء بأن هذا الأمر لا يليق أن يأتي من مدينة محافظة، مثل مدينة بريدة، وكأنما على هذه المدينة التي أنجبت علماء ومثقفين أن تكون دائمًا حجر عثرة في وجه التغيير، وكأنما عليها فقط أن تقول: لا للتغيير، لا للتقدّم ولا للتنوير! كما صاحت قبل نصف قرن: لا لمدارس البنات في بريدة! فكانت الكلمة الفصل بأن من أراد إلحاق بناته إلى المدرسة فليفعل، ومن لم يرد فليبقهن في منازلهن! فما الذي حدث؟ عاد المعارضون في الأعوام التالية يطالبون بمزيد من مدارس البنات في بريدة!
هكذا أظن أن الإجابة المثالية على هؤلاء المتشنجين ضد التربوية فاطمة بأن من أراد هذا النوع من التعليم فليلحق بناته أو أولاده في هذه المدرسة الأهلية، ومن لم يرد فأمامه العديد من المدارس الحكومية والأهلية، مع أنني أكاد أجزم بأن التجربة ستنجح، وسيتهافت أولياء الأمور على مثل هذا النوع من التعليم، وأولهم هؤلاء!
أخيرًا، علينا أن نرفع الشكر إلى هذه السيدة، التي قد تكون ابنة أو حفيدة هؤلاء الذين رفضوا تدريس البنات في زمن ماضٍ، وهي تقود التعليم الحديث بشجاعة في المكان ذاته الذي كاد أن يحرمها من تعلّم حروف الأبجدية الأولى.