|
يعتبر التهكم أعلى صور الكوميديا، وإذا عدنا للتعريف الأساسي لتعريف الكوميديا نجد أنها عرض متشابك من المفارقات والمفاجآت ونقائض الحياة بطريقة نقدية ساخرة ودعابة، وهي صور معبرة عن حياة المجتمع والناس.
انطلاقا من هذا التعريف نجد أن مسلسل (طاش ما طاش) برع أبطاله في رسم شخصيات كوميدية لا زالت عالقة في ذهن المتلقي. ووصل هذا العمل لمراحل متقدمة بقيادة المخرج البارع عبدالخالق الغانم، حيث استطاع أن يقدم لنا برفقة الثنائي عبدالله السدحان وناصر القصبي مواضيع هادفة لامس بها جروح غائرة، لم يستطع أحدٌ أن يلامسها من قبل (وإن صح التعبير) نستطيع القول إن كاميرا طاش (ركلت) الطرح البدائي والتقليدي الذي لازم الأعمال الكوميدية العربية بصفة عامة، وسارت كاميرا طاش بتقنية مبهرة، وبحرفية عالية نحو المتلقي وأذهلته وجذبته، مما أدى إلى إحكام الحبكة وصناعة كوميديا أثارت فكرا واحتجاجا وهدفا يستدعي المناقشة والطرح.
طاش بأعوامه السبعة عشر بدأ كالطفل الصغير الذي كان (يحبو) ويتعثر في خطواته في فترة نموّه الأولى وبدأ يكبر شيئا فشيئاً، حتى استطاع الوقوف على (قدميه) ويمشي مشية الواثق إلى أن حقق نجومية كبيرة وذاع صيته في أرجاء الوطن العربي وأصبح جزءاً لا يتجزأ من الإرث الثقافي السعودي.
(طاش) قدّم لنا حلقات رائعة جدا أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر حلقة (وا تعليماه) الذي أضحكتنا في ظاهرها وأحزنتنا في باطنها، بالإضافة إلى حلقات متميزة أخرى من الظلم أن أختزلها هنا.
ولكن ما الذي حدث في (طاش 17) ليخرج لنا بصوره أقل من المتوسطة وأقل بكثير مما تعودنا عليه من إبداع.
طاش17 لم يظهر بأسلوبه الكوميدي اللاذع الذي يعتمد فيه أبطاله على الفطنة الفكرية التي تؤدي إلى وصول المشهد الكوميدي إلى أعلى درجات الكوميديان كما غاب عنه عنصر المفاجأة في الفكاهة اللفظية فباتت (الأفيهات) مكررة ومملة.
طاش17 لم يظهر بالصورة التي تمنيناها كنقاد ومتابعين بل ظهر باهتا في بعض حلقاته التي غاب عنها عنصري الإثارة والتشويق وتم (تمطيطها) إلى جزئين دون أي ضرورة لذلك.
طاش17 تكررت فيه الشخصيات والحركات بشكل (ينذر) بوجود خطر كبير في إستراتيجية العمل.
طاش17 كانت حركة الكاميرا فيه بدائية رغم تناوب مخرجين على إخراج حلقاته، فإذا عدنا لحلقة (خالي بطرس) و(بهارات حارة) لوجدنا أن الأداء التمثيلي لناصر ولغة جسده الكوميدية غطت على عيوب الكاميرا في أحيان كثيرة.
طاش17 خرج إلينا بأقل مجهود إنتاجي، وعملي والدليل أن معظم المشاهد صورت في أماكن قريبة كمزرعة الفنان عبدالله السدحان ومؤسسة الهدف للإنتاج الفني ومواقع (مجانية) ما يعني خفض في النفقات ولا نريد أن نقول بأنه (بخل) إنتاجي، مع العلم أن أجزاء سابقة تم بناء إستديوهات تصوير خاص بها.
طاش الآن يحتاج إلى تجديد (الدورة) الدموية للعمل قبل أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة المبكرة وذلك بضخ دماء جديدة فيه وبتنويع وتجديد شخصياته فقد سئمنا هزارا وفؤادا وعليّانا.
طاش يحتاج إلى مخرج متمكن من أدواته لا ينفذ ما يملى عليه مخرج يعمل ويخطط ولا يكتفي بتصويره للمشاهد.
وأتمنى من أبطال طاش أن يتداركوا ذلك فلا زال لديهم متسع من الوقت قبل رمضان القادم.
alooy206@hotmail.com