آخر نسخة من (هوامير) النّصب والاحتيال وسلب البسطاء أموالهم، ظهرت في المدينة المنورة، وتم ضبطها قبل أسابيع، ولكن ماذا يفيد المسروقين ضبط السارق، بينما سريقته التي تجاوزت (300 مليون ريال)، في علم الغيب..؟!
أعتقد.. أنّ المدينة المنورة، تتفرّد بعدد ونوعية (الهوامير)، ففيها ظهر أكثر من هامور نصب واحتيال، وفيها ظهر هامور من بين صفوف المعلمين، وفيها ظهر آخر هامور حتى الآن، وفيها ظهرت (هامورة) تجيد أساليب (الهوامير) الذكور..! وهذه تحدث أول مرة على مستوى مدن المملكة، فلم نسمع أنّ امرأة قبل اليوم اقتحمت سوق (الهومرة والتهمير)، حتى جاءت (هامورة) المدينة المنورة..!
كيف أطلق الإعلام اسم (الهامور) على مبتزِّي الناس من المعتدين على أموالهم بالباطل..؟
لم نعرف هذا المصطلح قبل صناعة النّصب هذه، إلاّ أنه اسم على سمك بحري يعرفه الناس ويفضِّله بعضهم ربما على سمك الناجل.. يبدو أنّ اللغة تفرض ذاتها في الأشكال والمضامين والمعاني، فهي تصف الهمر ب(الماء والدمع، والدمدمة والغضب، والعطاء من المال، والحلب من الضرع، والإكثار من الكلام، والهدم في البناء، وضرب الفرس للأرض بشدة، وجرف الشيء، وانحثاء الشجرة عند الخبط، وسمن الرجل وغلاظته، والكثرة في الرمال). وجاء في التنزيل العزيز: ?فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ ? (11) سورة القمر).
والحقيقة أنّ كلَّ تعريف أو وصف لغوي ورد هنا لمفردة (همر - هامور)، إنما تنطبق على أشكال وأفعال وحالات هوامير السوق الذين أفقروا خلق الله وجوّعوهم، فهم (يهدمون، ويدمدمون، ويتمتون، ويسمنون، ويغلظون، ويستعطون، ويثرثرون، ويحلبون، وينحثون، ويجرفون، ويُغضبون، ويُدمعون).. إلى غير ذلك مما له دلالاته اللغوية في حالاتهم هذه.
لم تبق مدينة في المملكة، إلاّ ولها هامورها الشهير، ولو لم تنل واحدة منها هذا الشرف البغيض، لصاحت ونادت وقالت: (اجعلوا لي هاموراً، كما لهن هامور)..! بل إنّ بعضاً من هذه المدن، زاد كيله، وفاض خيره، حتى تعدَّد فيه (الهوامير)، وتنوّعت فيه أساليبهم وأغراضهم، فما عاد يصح أن نقول: هامور الطائف، أو مكة وجدة والمدينة والرياض وغيرها، ولكن نذكر (الهوامير) بما لهم من تخصص واستهداف ونشاط وأغراض، فنقول: (هامور الأجهزة الإلكترونية، والعسل، والبيض، والبرمجة اللغوية العصبية NLP، والأبراج السكنية، والكهرباء، وابتزاز الفتيات، والمعلمين، والبورصة، والمخدرات، والتأجير، والتوظيف، وسوا، والعقار، والجوالات، والخادمات، والزواجات).. ومنهم من يتخصص في دعم طالبان والقاعدة، ويموِّل العمليات الإرهابية، وهذا ثابت مما سبق كشفه، والقائمة تطول وتطول، والمجال مفتوح لباحث نشط، يؤلِّف لنا موسوعة في هذا الميدان العجيب الغريب، الذي ليس له من عنوان إلاّ الوهم والتغفيل، والنّصب والاحتيال والاستغلال، يقابله غفل وطمع وضعف وجهل من الجانب الآخر.
لم أجد هاموراً من هوامير بلادي، رضي بأقل من (80 مليون ريال)..! كلهم من فئات مئات الملايين، وكبيرهم تجاوز المليار ريال إلى مليار وأربع مئة مليون، وربما كان هناك من هو أكبر منه بكثير، فهذا مبلغ علمي، وفوق كلِّ ذي علم عليم، ولكني توقّفت حائراً دائراً أمام أصغر هؤلاء المستثمرين الأذكياء. أصغرهم سناً، وأقلّهم غنيمة، كيف استلب عقول الناس، واستحلب أموالهم..؟! فهو شاب لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره، انطلق من عسير، فجمع من الجيوب المتعطّشة للمزيد من المال، ثمانين مليون ريال، ثم ولّى هارباً، ولا عزاء للطيبين والمغفلين..!
حالة (الهوامير) الذين ما زالوا يسرحون ويمرحون في أوساط المجتمع، تحتاج إلى دراسة مستفيضة. أعتقد أنّ هذا هو دور الجامعات السعودية، التي تبحث عن مكان لها في دنيا البحث والدراسة، وأن تقدم لنا حلولاً مناسبة للمعاجلة، ولكي لا يستمر المرض، أو يعود في أشكال جرثومية أخرى يصعب الخلاص منها.
حالة (المهمورين) من البسطاء والمستغفلين في الأرض، الذين كانوا وما زالوا يشكِّلون الصيد الثمين للهوامير.. هذه الحالة المستعصية، تتطلّب دراسة أخرى من نوع خاص، لأنها لا تستجيب لأي علاج من أي نوع، فقد ظهرت (الهومرة) قبل ثلاثين عاماً في حالة (الأجهوري) في مكة، وكانت وحدها درساً كافياً لمن يريد أن يفهم، فلم يفهم أحد، ولم يتّعظ أحد، وكرت السبحة من جديد، حين ركب عدد من الهوامير موجة التديُّن أو التظاهر بالتديُّن والصّلاح والتقوى، فخدعوا الناس وضلّلوهم ونهبوا مدخراتهم، وأكلوا قوتهم، وأبقوهم على البلاط، ومع ذلك لم ينتبه أحد، ولم ينفع الدرس الأول، ولا حتى العاشر والعشرين والمئة.. آخر هذه الدروس المجانية لمن يريد أن يفهم، درس هامور المعلمين في المدينة المنورة.. فهل نجد من بيننا من يفهم ويتّعظ، فيردّ (الهوامير)، ويردع (هومرتهم)، ويوقف (تهومرهم) على عباد الله..
قالوا لفرعون: من فرعنك يا فرعون..؟ قال: لم أجد من يردني..!
ونقول للهامور من بيننا: من (هومرك) يا (هامور)..! سوف يقول بكل تأكيد: لم أجد من يردني..!