لا يخلو الإنسان من أناس يأنس بهم ويحبهم ويتردد عليهم وهذا أمر معروف في طبائع الناس. وقد أنعم الله تعالى عليَّ بمعرفة كثير من الناس أفرح بمعرفتهم وآنس برؤياهم. إلاَّ أنَّ أصنافاً من أولئك لهم مكانة خاصة جعلها لهم الشرع وهم أولئك الذين شابت رؤوسهم في الإسلام وتحنت ظهورهم من كثرة الركوع والسجود. فهؤلاء يتقرب المرء إلى الله تعالى بمحبتهم بل وخدمتهم طمعاً في الثواب من الله تعالى ثم طمعاً في دعواتهم لك ولوالديك وذريتك. وإن من نعم الله تعالى علي أن أكرمني بثلة من أولئك وسأتحدث عن واحد منهم الشيخ محمد بن فرحان الخثلان من أهالي الحريق ولد الشيخ محمد في سنة 1331هـ وتوفي سنة 1431هـ رحمه الله تعالى فيكون عمره مائة سنة. قضى منها أربعين سنة مؤذناً في مسجد فرحان في حي السبالة قبل انتقاله للسويدي عام 1405هـ.
وقد خلف والده - فرحان - رحمه الله - الذي رفع الأذان ما يقرب العشرين سنة في ذات المسجد. وإذا كان الشيخ محمد قد أذّن أربعين سنة فهذا إن شاء الله تعالى من البشائر المعجلة له كما أسأل الله أن يجعله داخلاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من طال عمره وحسن عمله) تزوج الشيخ محمد من المرأة الصالحة هيا بنت عبد الله الشبانات.
ومما يذكر فيشكر لأولاده أنهم كانوا يجتمعون عنده كل جمعة لطعام الغداء فضلاً عن التردد عليه من وقت لأخر، مع ترحيبهم وتقديرهم لزائر والدهم زادهم الله من فضله وبارك فيهم وفي ذرياتهم أول معرفتي به رحمه الله تعالى كان سببها دعوة كريمة من أخ كريم هو الأستاذ راشد الخثلان فلما دخلت مجلسه رأيت في صدر المجلس شيخاً وقوراً تحبه من وداعته وسماحته فأخبرني الأستاذ راشد أن هذا خاله واسمه الشيخ محمد بن فرحان الخثلان وبعد تلك المقابلة لم أنقطع عن زيارته حتى مات رحمه الله تعالى.
وجزى الله أخي الأستاذ راشد الخثلان خيراً الذي جعله الله سبباً في معرفتي بل وتشرّفي بمعرفة هذا الرجل الصالح كنت أزوره عصر الجمعة تارة بمفردي وتارة برفقة ابن عمي سعد بن محمد السدحان وأحياناً بصحبة ولديَّ عمر ويوسف فكان يهش ويرحب بنا أجمل ترحيب مع دعوات مستمرة ما أحسنها وأطيبها كان متواضعا مكرما لضيوفه، بل ولا يأخذ فنجال القهوة أو غيره إلا بعدي مع أني لست أهلا لذلك عند مقام هذا الرجل الصالح وكنت أستمتع بحديثه في تلك المجالس ومن باب رد المعروف إلى أهله كان ولده أحمد يسكن معه في البيت وكان أثابه الله تعالى حريصاً على موعدي لزيارة أبيه فكان يفتح لنا باب قلبه قبل باب البيت مع بشاشة وترحيب فجزاه الله تعالى خيراً.
كان رحمه الله تعالى حريصاً على برنامج نور على الدرب. كما كان حريصاً أيضاً على سماع خطبة المفتي عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ وكان يذكر بعض ما ذكره المفتي في خطبته ولقد حدثت شيخي عبدالله بن جبرين عن الشيخ محمد بن فرحان وأنه يدعو له كل ليلة باسمه. ثم طلبت من الشيخ عبدالله أن يقوم بزيارته لعلمي أن ذلك من إدخال السرور على قلب ذلك الرجل الصالح فقام الشيخ بزيارته وأيضا أخبرت سماحة المفتي مثل ما أخبرت الشيخ ابن جبرين فقام المفتي بزيارته وكان رحمه الله تعالى واسع الصدر في سماع بعض الكلام الذي أخاطبه به لإدخال السرور عليه و من اللطائف التي كنت أكررها عليه أنني كلما دخلت عليه أقول يا شيخ محمد هل نحضر لك الذلول لتسافر عليه فيضحك وقلت له مرة وقد لبس ثياباً جديدة هل ستتزوج؟ فقال وهو يضحك في الجنة إن شاء الله تعالى ومن الطرائف التي حدثني بها أنه سقط في بئر وهو صغير فأخذ ينادي فسمعه أحد أهل البادية فجاء إلى البئر ونظر فيها فطلب منه الشيخ محمد أن يخرجه. فقال له البدوي: أنت من الأسفلين أو الأعلين؟ يعني بالأسفلين: الجن وبالأعلين: الإنس. فقال له الشيخ محمد: أنا من الأعلين، فقام البدوي بإخراجه وكان رحمه الله تعالى يسرد هذه القصة وهو يبتسم ابتلي رحمه الله تعالى ببعض الأمراض فكان صابرا محتسبا مع كثرة الآلام والأوجاع فلم أسمع منه كلمة تسخط أو اعتراض على قضاء الله وقدره. بل كان كثير الدعاء مع حسن ظن عظيم بالله تعالى. وقد أوصاني أن أصلي عليه إماماً فكان ذلك.
ختاماً أقول رحمك الله تعالى يا شيخ محمد وجزاك الله عني خيرا يا والدي الكريم فطالما تشنفت أذناي بسماع دعواتك الطيبة، وطالما قرّت عيناي برؤية وجهك الطيب المشرق بنور الطاعة. أسأل الله الرحيم الكريم أن يفسح لك في قبرك وينور لك فيه.
اللهم اغفر للشيخ محمد بن فرحان وارفع درجته في المهديين وأخلفه أهله في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين.