إن الإخلاص من أهم الأشياء في الأعمال. ولكي يُقبل العمل فلابد أن يكون خالصاً لله سبحانه وتعالى صواباً على سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر المشهور «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
للإخلاص شأن عظيم في قبول الأعمال، فهو أحد الشرطين في قبول الأعمال، فإنَّ الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً صواباً. والإخلاص قد ورد في كتاب الله تبارك وتعالى {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}،» وقال {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، إلى غير ذلك من الآيات. وأما في الأحاديث فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أمته بالإخلاص، وكان ينهاهم ويحذرهم من الرياء ومما يضاد الإخلاص.
إن العمل مهما كان قليلاً فإن الإنسان يجازى به ويضاعف له عليه بإخلاص النية، كما قال عليه الصلاة والسلام «إنك لن تنفق نفقاً تبتغي بها وجه الله إلا أُثِبْتَ عليها حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك». وأما الأعمال الكبيرة فإن النوايا أيضاً هي التي ترفعها إلى أعالي الدرجات أو تنزل بها إلى سافل الدرجات، وقد قال صلى الله عليه وسلم «إن أول من يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأوتي به فعرفه بنعمه فعرفها، قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت، قال كذبت ولكنك قاتلت ليُقال جريء فقد قِيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلم العلم فعلمه وقرأ القرآن فأوتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها قالت تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليُقال عالم وقرأت القرآن ليُقال هو قارئ فقد قِيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي قي النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأُوتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال ما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال كذبت ولكنك أنفقت ليُقال هو جواد فقد قِيل، ثم أمر به فسحب على وجه ثم ألقي في النار».
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام رمضان «من صام رمضان إيماناً واحتساباً عُفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه».
إن الإخلاص أهم أعمال القلوب المندرجة في تعريف الإيمان وأعظمها قدراً وشأناً بل إن أعمال القلوب عموماً أأكد وأهم من أعمال الجوارح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- عن الأعمال القلبية وهي من أصول الإيمان وقواعد الدين مثل محبة الله ورسوله والتوكل على الله وإخلاص الدين لله والشكر له والصبر على حكمه والخوف منه والرجاء له، وهذه الأعمال واجبة على جميع الخلق باتفاق أئمة الدين.
فالإخلاص أساس العمل وبه يُقبل ويتحقق الثواب، فإن حقيقة العبادة أنها سر يتعلق بالقلب وينبع من الروح وليست شكلاً يتعلق بالمظهر، قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء)، وقال سبحانه وتعالى (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ)، وقال جل شأنه (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ)، وقال تعالى (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يربي أصحابه ويربي أمته على الإخلاص لله تبارك وتعالى، وهناك في السيرة النبوية ما ورد عن حياة خير الصائمين في هذا الجانب من أجل أن يربي أمته ومن أجل أن يربي أهله ومن أجل أن يربي صحابته على الإخلاص لله تبارك وتعالى.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم مخلصاً لله في أعماله كلها، ولم يكتف بذلك عليه الصلاة والسلام بل حرص على إخلاص أزواجه وأصحابه، وقد مر بنا في الأحاديث السابقة كيف عليه الصلاة والسلام يحث أصحابه ويرشدهم إلا أن تكون أعمالهم خالصة، وقد جاء عليه الصلاة والسلام إلى المسجد يريد الاعتكاف فإذا أزواجه كل وأحدة منهن قد وضعت لها خباءً تعتكف فرجع عليه الصلاة والسلام ولم يعتكف حتى يجعل اعتكافهن لله وليس من أجل مجاورته في المسجد الذي قد يكون بسبب الغيرة التي بين النساء.
جاء في البخاري عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف، فلما أنصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه إذا أخبيه خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب، فقال آ البر تردن بهن ثم أنصرف فلم يعتكف».
ونقل ابن حجر في فتح الباري عن إبراهيم بن علية في قوله «آ البر تردن» دلالة على أن ليس لهن الاعتكاف في المسجد إذ مفهومه أنه ليس ببرٍ لهن. قال ابن حجر ومقاله ليس بواضح وفيه شؤم الغيرة لأنها ناشئة عن الحسد المفضي إلى ترك الأفضل إذا كان فيه مصلحة وأن من خشي على عمله الرياء جاز له تركه وقطعه.
فاللهم يا من فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين وأطلق للسؤال ألسنة السائلين أسألك أن تلطف بنا في قضائك وأن تعافينا من بلائك وتهب لنا ما وهبته لأوليائك، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة ووفقنا للتزود قبل النُقلة وارزقنا اغتنام الزمان ووقت المهلة، اللهم وفقنا لما يرضيك من القول والعمل وخلصنا من التسويف والفتور والكسل وآمن روعتنا يوم التوبيخ والخجل وأعذنا يوم الفزع الأكبر من خيبة الأمل واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.