Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/08/2010 G Issue 13846
الخميس 16 رمضان 1431   العدد  13846
 
رجل من زمن آخر
ناير بن منير القحطاني

 

يوم الأربعاء الفائت الموافق 8 - 9 - 1431هـ وفي حوالي الساعة الواحدة ليلاً كنت في قلب حدث مفصلي في حياتي وحياة أسرتي يسره الله سبحانه وقدره وكان فارسه رجل من زمن آخر من أزمنة الشموخ والوفاء والسماحة والنبل الذي لا يمكن لقلم كليل كقلمي أن يصفه أو أن يقترب من وصفه.. إن السمو الذي رأته عيناي وشعرت به عن قرب لا يمكن أن يوصف ولكن دعوني أبدأ الحكاية منذ أن طرق سمعي عبر جهاز الهاتف الجوال وأنا في طريقي للحرم المكي لأداء صلاة الظهر صوت يحمل لي الفرج والبشرى إنه صوت سعادة العقيد حسن بن عبدالرحمن الشهري والد وليد رحمه الله يطلب حضوري للمحكمة الكبرى في الرياض ووالله إن مشاعري في تلك اللحظة قد اهتزت وأنا أمام باب السلام، والذي كنت أدلف منه منذ أيام، لكنه هذه المرة بدا لي شيئاً آخر فقد بدا لي أني أدلف منه هذه المرة إلى الجنة..

وما أن علم بمكاني حتى طلب مني أن أتصل به بمجرد أن أصل الرياض وقد حدث أن وصلت بعد منتصف ذلك المساء إلى الرياض واتصلت به، ودلفت أنا وإياه إلى مكان ما.. (في الوقت الذي ذكرته آنفاً) فإذا أنا أمام رجل وقامة تتهاوى أمامها العبارات والأوصاف، رجل كانت كل عبارة ينطق بها تزيده رفعة ومكانة، وكم كنت أتمنى في هذه اللحظات أن أمتلك قلم المنفلوطي أو العقاد ولكن هيهات لي ذلك.. إن أبا وليد بدا لي في تلك اللحظات الأخ الشفيق الذي رأيت في عينيه وسحنات وجهه ولمست في كلمته شموخاً وتعالياً على أحزانه التي أحالها أفراحاً وسروراً نشرها في أرجاء أسرتي وقبيلتي، رجل طلب الجزاء من الله عز وجل، بل رجل تعالى على أحزانه وحكى لي بلسانه بأن أفراحنا في الغد هي أفراحه ولم يسعَ إلى شيء من حطام الدنيا (حيث كان يمكنه أن يطلب الوجاهات القبلية والمادية كيفما شاء) ولكن كما قلت لكم لقد كان رجلاً من زمن آخر، رجل من قبيلة لا يستغرب منها أو من أفرادها مثل هذا النبل والشهامة والسماحة.. وكم هزني أن أعلم أن أم وليد رحمه الله تعالى هي الأخرى تحمل نفس المشاعر ووالله إن كلماتها التي أسرت بها إلى من تحدث إليها من قريباتي بأنها لا يمكن أن ترضى بأن تزرع حزنا آخر في أسرة أخرى ولا أن تذوق أماً أخرى لوعة الفراق كما عاشتها هي (فلله درك أم وليد)، ووالله وتالله لأن كنت قد فقدت أنت وأبا وليد وليداً رحمه الله فوالله إننا لخمسة كلنا وليدٌ. وإن حديث أبا وليد عن عمه الشيخ حسن بن محمد بن ماحق وإخوانه وأخوال وليد وأقربائه وأعيان قبيلة بالحصين من بني شهر الذين كان لهم يد طولى في أن يكون العفو هو هاجسهم ومبتغاهم فلله درهم جميعاً.

وفي ساحة المحكمة الكبرى بعد ظهر ذلك اليوم كان لي موعد آخر مع النبل عندما لم تسر الأمور كما نريد في المحكمة (وهذه حكاية أخرى) فإذا النبل يتجلى في أبي وليد وثلاثة من أعيان قبيلته أتوا معه في شمس الرياض الحارقة وأبوا جميعاً الانصراف حتى يتمّوا إجراءات التنازل بل إن أبا وليد كان يستعجل الإجراءات حتى يتمكن من مرافقتي إلى السجن ليزف الخبر المفرح إلى ابني وأذهلني مرة أخرى عندما اشترط أمام القاضي الإفراج عن ابني ويزيد الذهول والعجب عندما يرن هاتف سعادة العقيد حسن فإذا هي أم وليد تريد أن تطمئن وتستفسر وتطلب البشرى بخروج محمد (يا الله... هل يمكن لأحد غيري أن يصف هذه المشاعر التي اجتاحتني وأخرست لساني قبل قلمي) بل عند أول اتصال بعد التنازل جرى بيننا كان أول سؤال: هل تم إخبار محمد بالتنازل وكيف كانت مشاعره؟ فلله درهم من رجال ولله درها من قبيلة أنجبت مثل هؤلاء الرجال، والعجب لا ينتهي في مساء يوم الجمعة عندما أجريت بعض الاتصالات الخاصة رغبة في إجراء لقاء صحفي مع سعادة العقيد/ حسن بن عبدالرحمن الشهري فإذا النبل مرة أخرى يطل علي عندما شكرني على صنيعي واعتذر بأدب عن إجراء أي حوار صحفي.. يا الله أما لهذا النبل من نهاية؟؟

ولقد شعرت بأن طوفان من المشاعر قد غمرتني عندما أسر إليّ أحد إخوان العقيد حسن بأنه كان يتمنى يوم الأربعاء الفائت (يوم التنازل) أن يكون إفطار ابني محمد على مائدتي برفقة أسرتي وتمنى لو أنه كان يمكنه تحقيق ذلك..

ماذا أحكي وماذا أقول غير أنني أعتقد جازماً بأن نبلاً فريداً تمثل في هذا الرجل وفي إخوانه وأخوال أبنائه وزوجته يصعب أن نراه في كل حين..

وبعد فإن المرء في هذه الحياة الدنيا في دار ابتلاء وقد ابتلينا جميعاً وكانت مصيبتكم مصيبة لنا ولكن دعوني أسوق لكم حديثاً أراكم قد تمثلتموه وأرجو من الله أن يزيدكم به عزاً، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا} رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه.

ولكم منا جزيل الشكر والامتنان والعرفان يا من طوقتم أعناقنا بصنيعكم وحفرتم في قلوبنا بأفعالكم ومشاعركم أوسمة فخر وحب امتنان.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد