Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/08/2010 G Issue 13846
الخميس 16 رمضان 1431   العدد  13846
 
قصة قصيرة
فراشة خلف نافذتي
سحر حمزة

 

استيقظ الصبح باكراً، في مدينة نائمة، كانت سماح فيها قد تسابقت مع الزمن كي تطفي قناديل الليل قبل أن يبدأ الفجر بدعوة الشمس لتشرق فوق حقل أخضر خلف نافذة غرفتها الصغيرة المزينة المزركشة بكل أنواع الزهور البرية وفراشات الحقل الغجرية، التي ترقص كل يوم رقصة الحياة اليومية، بقيت سماح تنظر من وراء الزجاج إلى الحقل تنتظر الشمس فهي على موعد معها، وتنتظر تلك الخيوط البرتقالية والأرجوانية الألوان كي تبادلها التحية، انتظرت باسمة مشرقة متألقة، وبدأت ترسم بعينيها لوحة تحاول أن تكون مختلفة عن يومها السابق، نظرت يميناً ويساراً، لم تلمح أي نوع من الطيور وحتى العصافير ما زالت تنتظر الشمس مثلها، وفجأة لاح لها شيء وراء تلك الأزهار، كانت مثل راقصة لم يأذن لها بترجمة فكرة تدور في مخيلتها لتعبر عنها بجسدها الملفوف المتناسق الرائع، رأتها ساكنة تعبر بصمتها عن مئات الكلمات التي توحي لسامعها بأن وراءها آلاف القصص، ما زالت سماح تراقب المشهد، الحقل الرائع، الشمس وراء الأفق غيوم بيضاء تودع السماء وخيوط شمس بدأت السلام على الفجر تتقدم إلى الفضاء الرحب بسمفونية حياة من نوع خاص، تنهدت سماح وأشرق وجهها تماماً مثل الشمس فقد بدأ النور يتسلق أغصان الأشجار ويداعب الأزهار ويفتح النوافذ وستائر إسدلت عن يوم مضى، هي لحظات فقط، بدأت الفراشة ترقص، بألوان قوس قزح تلون الحياة تبعث في نفس ناظرها السعادة، تعانقت الفراشة مع نباتات الحقل وبدأت ترفرف بجناحيها الملونتين، تشكل لحن حياة من نوع خاص، حاورتها سماح قائلة يا فراشة الحقل ألستي مثل الحقول الأخرى ونباتات الحقل هنا تعالي عانقيني وسلمي علي اقتربي مني أنا هنا، وكأن الفراشة قد سمعت كلامها، اقتربت إلى النافذة المغلقة، فلون البلور الأخضر عكس صورة لبعض الأزهار وأوراق السنديان كانت تنام متوسدة الزجاج كي تجد شيئا من قطرات الندى ترطبها من خيوط الشمس التي اخترقت أوراقها، اقتربت الفراشة أكثر فرحت سماح، بدأت ترقص مثلها وكأنهما في حلبة رقص وردية من تصاميم الطبيعة البديعة ترسمان معاً لوحات أسطورية يعجب بها الناظر إليها، رقصت سماح ورقصت الفراشة معها، رفرفت بذراعيها كالفراش والفراشة كذلك كانت مبدعة فهي راقصة بطبيعتها الفرق بينهما أن سماح من وراء الزجاج ترقص والفراشة حرة طليقة ليس هناك من يستوقفها عن رقصها اليومي، بدأت تنتقل من زهرة إلى زهرة ومن غصن شجرة إلى آخر وسماح تتجول وتحلق وشرعت ستائر غرفتها كي تبدو أنها في داخل الحدث في حقل الزهور، وما بين الرقص والفرح واختراق أشعة الشمس للنافذة اختفت الفراشة وبقيت سماح لوحدها الراقصة من وراء الزجاج وفجأة توقفت عن الرقص ونادت بأعلى صوتها: فراشتي أين أنت تعالي نكمل الرقص، وكررت النداء، فراشتي حلوتي جميلتي أين أنت لم ترَ شيئاً، في بادئ الأمر ثم عادت تستطلع عن كثب ففتحت النافذة ونظرت أسفل الحديقة وقد سمعت قهقهة أطفال عابثين يتحاورون، سمعتهم يتبادلون حديثاً ما فيه حكايات عن فراشات الحقل، قال أحدهم انظر لهذه الفراشة كم هي جميلة جناحاها ملونان بشيء عجيب من خيوط الشمس وأزهار الحقل، انظر إليها إنها تقترب من فوهة القارورة تريد الخروج، وأكمل يخاطبها لن أطلق حريتك لقد تعبت حتى وصلت إليك لقد أرهقتني وأنت تهربين مني من زهرة لزهرة حتى أني وقعت أكثر من مرة وأنا أحاول اصطيادك، صرخت سماح من خلف الزجاج اطلقها يا ولد إنها فراشتي راقصتي، لم يكن صوت سماح قد وصل ذلك الولد الشقي صائد الفراش فقد أحكم إغلاق القارورة الزجاجية بعدما ملئت بفراشات من كل الأشكال والألوان وغاب وراء الشجر وفراشة سماح توقفت عن التحليق والرقص وحتى الدوران، وبقيت صامتة ساكنة وكأنها تقيم طقوساً من نوع خاص طقوس وداع لحقل الفرح ولحلبة الرقص خلف نافذة سماح، صمتت صديقتنا سماح أيضاً، وفي داخلها بركان غضب وصمت وسكون غريبيين سيطرا على غرفتها وكأن الطبيعة كلها حزينة معها لفراق فراشة حقل داعبتها من خلف نافذتها ثم غابت عنها عنوة مسلوبة الإرادة مختنقة لا تتنفس الحرية ولا ترى شمس البرية.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد