Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/08/2010 G Issue 13846
الخميس 16 رمضان 1431   العدد  13846
 
مداخلات لغوية
فعل الأمر لا زمن له ولا فاعل
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

إن اختلف النحويون في بناء فعل الأمر وإعرابه فإنهم اتفقوا على دلالته على الاستقبال وأنّ فاعله المخاطب؛ ولكن تعريف النحويين الفعل يكشف عن حقيقة واضحة هي أن ما يسمى بفعل الأمر ليس فعلا بل هو صيغة طلبية مقتطعة من الفعل المضارع اقتطاعًا صرفيًّا، وقد وفق صلاح الدين الزعبلاوي في كتابه القيم (دراسات في النحو) إلى جلاء هذه المسألة، إذ تتبع باستقصاء دقيق أقولهم من مصادرها، ليقول»لا خلاف بين الأئمة على جريان الفعل على الماضي والمضارع. فالفعل الماضي ما دلَّ على معنى مقترن بالزمان الماضي، والمضارع ما دلَّ على معنى مقترن بزمان يحتمل الحال والاستقبال. أما جريان الفعل على (الأمر) ففيه نظر. ذلك أن الفعل يدل على الحدث مقترنًا بزمان، فهل الأمر مقترن بزمان؟... أقول (الأمر) صيغة يطلب بها الفعل من الفاعل، فهو صيغة إنشاء طلبي يراد بها طلب القيام بالفعل. فالكلام إما خبر وإما إنشاء. فالخبر قولك كتب زيدٌ ويكتب عمرٌو. ففي الجملة ها هنا إسناد خبري مقترن بزمان. أما قولك اكتب فهو إسناد إنشائي غير مقترن بزمان فأنت تطلب من المخاطب القيام بفعل الكتابة ولا تخبره بحدث الكتابة مقترنًا بزمان. فإذا استجاب المخاطب قامت استجابته فيما يستقبل من الزمان. وإن شئت التفصيل قلت إن معنى (الأمر) غير مقترن بزمان، لأنه لا يخبر بحدث، وإنما المقترن بزمان هو تلفظك به، أي قولك (أكتب) فهو يجري في الحاضر، وكذلك الاستجابة للأمر إذا حدثت فإنها تجري في المستقبل.»(1: 229)، وبعد أن أورد كلام ابن يعيش على أزمنة الفعل قال:»كلام ابن يعيش على أزمنة الفعل لا يدع للأمر مكانًا في قسمة الأزمنة بل الأفعال. فالماضي إنما يقع الإخبار عنه بعد زمان وجوده، والمستقبل إنما يقع الإخبار عنه قبل زمان وجوده. أما الحاضر فيخبر عنه زمان وجوده. وهذا يعني أن الفعل الماضي يخبر به عن الحدث الفائت بعد زمان وجوده. ويخبر بالفعل الآتي قبل زمان الحدث الآتي: ويخبر بالفعل الحاضر زمن وقوع حدثه. فالفعل إنما يخبر به عن الأحداث الجارية في هذه الأزمنة الثلاثة. أما (الأمر) فليس مما يخبر به، في الأصل، لأنه صيغة إنشاء، لا إخبار، فلا يصح فيه إذا حد الفعل. ومن ثم أشكل على النحاة مجيء خبر المبتدأ جملة إنشائية، لأن الإنشاء لا يخبر به، فذهب قوم إلى صحة الإخبار بها على تأويل صفة، فإذا قيل: زيد اضربه، كان كأنه قيل: زيد مطلوب ضربه. والتزم ابن السرَّاج تقدير قول محذوف قبلها، أي زيد أقول لك اضربه. وذهب ابن الأنباري إلى امتناع الإخبار به مطلقًا وتبعه قوم من النحاة»(1: 229). بقي أن نقول إنّ ما يسمى فعل الأمر لا فاعل له؛ لأنه ليس بفعل أنجز في الماضي ولا هو فعل سينجز في المستقبل، بل هو طلب لإنجاز فعل والفاعل إنما هو فاعل الفعل المطلوب إنجازه، فقولك: قم، طلب من المخاطب أن يقوم فالمخاطب إنما يفعل القيام في المستقبل، وأما (قم) فإنه وإن وجه إلى مخاطب فالمخاطب ليس فاعلا له بل سيكون فاعلا للفعل المطلوب، وقد يحتج باتصال (ألف الاثنين أو واو الجماعة) وليس هذا بشيء لأنها علامات مطابقة للمخاطب أو أحرف خطاب إن شئت، وقد يحتج بنصب الأمر للمفاعيل، وليس هذا أيضا دليلاً على فعليتها؛ إذ هي قيود يقتضيها الفعل المطلوب إنجازه فهي مفاعيل لذلك الفعل، فقولك: زرني غدًا، فالمفعول لفعل الزيارة المطلوبة، والظرف للفعل المطلوب.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد