الجزيرة- وهيب الوهيبي:
كشفت وزارة العدل بعد دراسات علمية ومسحية لموضوع الأحكام البديلة في القضايا غير المشمولة بنص شرعي أو نظامي أن فكرة البدائل لها ما يؤيدها في مقاصد الشريعة، وكلام أهل العلم، وتحديداً بدائل السجون.
جاء ذلك على لسان وزير العدل الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى في تصريح خص به (الجزيرة) وأوضح في هذا السياق أن البديل ليس قاعدة مطردة تلغي مفهوم السجن في جميع الأحوال، بل قد يكون السجن الأنسب في بعض الوقائع، وفي أخرى يضطلع البديل بتحقيق المقصد الشرعي في التعزير بما لا يقوم به السجن، وعزا تقدير ذلك إلى مبدأ السلطة التقديرية التي يتمتع بها القاضي في أحكامه - وهي مساحة رحبة - ما لم تخالف نصاً، أو مبدأ استقر عليه القضاء، فإن خالفت نصاً تعين رد الحكم، وإن خالفت مبدأ لزم مصدر الحكم بيان وجه حكمه، وكلمة الفصل في ذلك للمحكمة الأعلى فإن توجه عندها التسبيب أخذت به وعدلت عن مبدأها وفق التراتيب النظامية، وإلا أجرت اللازم القضائي حيال الحكم. واعتبر الوزير العيسى بأن الحكم البديل للسجن يستصحب أمراً مهماً وهو أن السجن لم تجر بحُكمه قاعدة: «الاستصلاح» إلا ردعاً وزجراً؛ لحفظ الأمن (جلباً للمصالح ودرءاً للمفاسد) لا محض الإيذاء والإضرار، فضلاً عن كون عقوبة السجن تعزيرية تتوخى المصلحة، ومن هذا المفهوم تركب المدلول الفقهي الحديث لفكرة البدائل وتوسع بطرح رؤى نسعى إلى أن تبرز نظرياً وتطبيقياً في ندوة علمية شاملة بمشاركة الجهات ذات العلاقة، كما أننا سنفيض في دراسته - إن شاء الله - في مجلة: «القضائية» التي تعتزم الوزارة إصدارها قريباً.
وأضاف بأن مفهوم البدائل في العقوبات التعزيرية لا يُمثل فكرة جديدة لدى قضاتنا، بل هم على استيعاب لمفرده البحثي ومدلوله المقاصدي، وقد أصدر فيه العديد من القضاة أحكاماً متميزة، تمثل عمقاً في التسبيب يُحتذى بها ويُنسج على منوالها، ونُخْطئ على كفاءتنا الشرعية عندما نقصر استيعاب هذا المدرك المهم في ميزان العدالة بمفاهيم تتوخى المصلحة على قضاة معينين دون سواهم، وأكد الوزير بأن هذا يمثل فصلاً مهماً في قضايا التعزيرات يستوعبه قضاة الوزارة، وهم على دراية تامة بأنه يجري في سياق السلطة التقديرية لكل قاض، لكن في نطاق المقاصد الشرعية المعتبرة، والمبادئ القضائية المستقرة، وقد سمعنا في هذا الشأن من كبار القضاة ممن هم في سدة المواقع الإشرافية على الأحكام ما يسر الخاطر، ما يدل على أن هذا الموضوع محل استيعاب من قبل أعضاء السلك القضائي، وصدرت بشأنه أحكام مختلفة من قبل جَمْع من القضاة وهو ما تحكمه وقائع كل قضية ومبررات الاقتضاء.
وأشار بأن إدراك قضاة الوزارة لأهمية هذه الأحكام ينبعُ من رسوخهم في أحكام الشريعة، وفهمهم العميق لمقاصدها الجليلة، وعندما يَصرف القضاء نظره عن الحكم البديل فإننا لا نشك في أنه استنتج وقائع تتطلب ذلك، في سبيل تطبيق مقصده العدلي، وهو تحقيق المصلحة الشرعية في الجزاء والاستصلاح.