يأخذك العجَب ويملأ تضاعيف نفسك الإعجاب وأنت ترى حماسة الإندونيسيين للعربية وخوفهم عليها وشدة تعلقهم بها وبأهلها؛ آية ذلك أن تعقد إندونيسيا المؤتمرات السنوية المتواصلة التي تعالج قضايا العربية، وهذا هو المؤتمر الثاني الذي أشارك فيه بعمل بحثي، ففي الفترة بين 22 و24 يوليو من عام 2010م عقد في مدينة جاكرتا عاصمة إندونيسيا مؤتمر «اللغة العربية بين الانقراض والتطور: التحديات والتوقعات»، ونظمه اتحاد مدرسي اللغة العربية بالتعاون مع جامعة الأزهر الإندونيسية حيث عقد في رحابها، شارك المؤتمرون بأكثر من مئة بحث دارت حول محاور، منها استراتيجيات النهوض بالدور الحضاري للغة العربية وآدابها لمواكبة عصر التقنية والمعلومات، الارتقاء بسبل تعلم العربية وتعليمها أبناءها وغير أبنائها لمواجهة حاجة سوق العمل، والنهوض بالعربية في المحافل الدولية. شارك في هذا المؤتمر باحثون من مختلف دول العالم: الأردن، الإمارات، أستراليا، إندونيسيا، إيران، البحرين، بروناي دار السلام، الجزائر، السودان، سوريّة، عُمان، قطر، فلسطين، ليبيا، ماليزيا، مصر، المملكة العربية السعودية التي شارك باحثون من بعض جامعاتها، جامعة الملك سعود، جامعة الباحة، جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، جامعة الملك عبدالعزيز، جامعة القصيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، جامعة أم القرى، جامعة الملك خالد. وقد أظهر الباحثون في بحوثهم أهمية بيان قدرة العربية على الوفاء بالتعبير عن العلوم الحديثة كما فعلت في تاريخها المجيد، وأن هذه اللغة ليست محصورة بالعلوم الدينية أو الأدبية بل هي لغة تقنية واتصال عالمي أيضًا، وشدد الباحثون على أنها ينبغي أن تحتل مكانها الصحيح في العمل وفي تعليم العلوم المختلفة قديمها وحديثها. وفي هذا الإطار جاء البحث الذي تشرفت بقراءته في الجلسة الافتتاحية في اليوم الأول، وهو «صعوبات تعلم العربية وتعليمها في عصر التقنية». بقي أن أقول إننا نشعر بالامتنان لإندونيسيا التي عهدت على نفسها أن تقيم مؤتمرًا عالميًّا سنويًّا عن العربية وقضاياها، وهو أمر ينبغي أن ينبّه العرب إلى قصورهم في حق لغتهم في وقت يبذلون أموالهم في سبيل التسابق إلى مباريات كأس العالم ويتناحرون حولها، وأن لو خصصوا بعض ما ضيعوه في ذلك لخدمة العربية ونشرها في العالم لكان ذلك أعود إلى لغتهم وأنفع لدينهم، وإن المرء ليشعر بشيء غير قليل من الخجل وهو يرى إندونيسيا أو ماليزيا تعقدان المؤتمرات المتتابعة للعربية، حتى قال أحد المشاركين العرب إنه قد يأتي اليوم الذي نبعث به أبناء العرب ليتعلموا منكم العربية أهل أندونيسيا. هكذا اهتموا بلغتنا؛ ونحن العرب نتنكر للغتنا وننحيها عن العمل والتعليم، بل يتفاخر بعضنا بأنه لا يجيد العربية إجادته الإنجليزية، ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.