حوار علي سعد القحطاني :
رواية (فتنة جدة) للأستاذ مقبول موسى العلوي بمثابة رواية تاريخية تستلهم أحداثها من حادثة وقعت في جدة سنة 1274للهجرة الموافق 1858 للميلاد ويرجع سبب اشتعالها إلى (صالح جوهر) أحد تجار جدة الذي كان يمتلك سفينة يرفرف على صاريتها العلم الإنكليزي، فأراد (صالح جوهر) استبدال علم بريطانيا بعلم الدولة العلية الدولة العثمانية وقام باستبداله بعد أن أخذ الإذن من الوالي نامق باشا فغضب لذلك القنصل الانكليزي وذهب إلى البحر ودخل المركب المذكور وأنزل علم الدولة العثمانية ونشر علم الإنكليز، ولما أنزل القنصل علم الدولة العلية داسه برجله وتكلم بكلام غير لائق فغضب لذلك سكان جدة وهاجوا هيجة عظيمة وذهبوا إلى دار القنصل.
والمؤلف مقبول العلوي يمزج الحقيقة بالخيال في روايته ويستند إلى مصادر تاريخية التقت (الثقافية) بالروائي مقبول موسى العلوي وتحدث عن هذه الرواية واستعانته بالمصادر التاريخية في كتابة النص والموازنة بين موضوعية الحادثة التاريخية وبين العمل الإبداعي الذي يتطلب إضافة بعض مشاهد الإثارة والتشويق، كما تحدث العلوي أيضا عن تجاهل النقاد لنصه، وقال إنه يكتب للقارئ الجيد والحصيف ويعرض صفحا عن ذاك الناقد النرجسي وبيّن العلوي أنه حاول أن يبتعد عن لعبة العناوين المثيرة لكنه اعترف أن العنوان مثير، وقد يكون صادما للبعض، وقد يتم تأويله تأويلات شتى وهذا في صالح الرواية
نص الرحالة لويس بوركهارت عن فتنة جدة 1814م هل كان بمثابة الشرارة الأولى لكتابة هذه الرواية التاريخية..أم أن هناك مصادر أخرى رجعت إليها؟
-في الحقيقة أن الرحالة السويسري لويس بوركهارت كان من ضمن رحالة غربيين كُثر زاروا جدة. هو جاء إلى جدة في العام 1814م قبل أن تحدث هذه الفتنة بحوالي 44 عاما، وقد استعنت بإلماحة مما كتبه عن جدة كعتبة أولى للنص من ضمن عتبتين أُخريين لكي أمهد للقارئ الدخول السلس للرواية على مراحل زمنية مختلفة، وحتى أتيح له أن يقارن بين الآراء المختلفة حول جدة، وقد اخترت هذا الرحّالة بالذات لكون كتاباته في الرحلات تنضح بإنسانية فريدة من نوعها قلما وجدتها في كتب رحّالة آخرين، فهو لم يكن يهتم بالوصف الجغرافي التقليدي البحت لتضاريس المكان، ولا كان يشغله التاريخ العالق بجدران الأزمنة، بل كان يدوّن المصاعب التي صادفته ويريد منا أن نشترك معه في أفراحه وأتراحه أسقامه وأمراضه مما أوجد بينه وبين القارئ مساحة من الهّم المشترك وتشعر معه بطعم الرحلة والصعوبات التي واجهته.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فالإجابة عليه هي: نعم، أستعنت بالكثير من المصادر منها ما هو عربي رغم قلتها وما هو غربي ومن أهمها ما دوّنه الرحالة الفرنسي (شارل ديديه) الذي جاء إلى جدة قبل حدوث الفتنة بأشهر أو بعام، وقد استفدت مما كتبه كونه قد أعطاني لمحة عن الجو العام السائد في جدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أيضا هو عاش في جدة فترة طويلة نوعا ما كان خلالها يذهب إلى الأسواق ويحتك بالناس البسطاء ويزور بعض تجار جدة وأعيانها يذهب إلى الميناء ويرقب حركة السفن ويتفرس في وجوه القادمين والذاهبين ويسجل كل شاردة وواردة بدون إبداء رأي شخصي انطباعي سواءً أكان سلبياً أم إيجابيا كان يكتب بحياد أذهلني، لقد كان بالفعل رحّالة من طراز فريد من نوعه..
هل استطعت أن توازي بين موضوعية الحادثة التاريخية وبين العمل الإبداعي الذي يتطلب إضافة بعض المشاهد التي تتوافر فيها عناصر التشويق؟
هذا بالضبط ما كان يشغلني أثناء كتابة هذه الرواية، السير في حقل من الألغام بشكل متوازن ومرهف بين حادثة تاريخية لها شخوصها الحقيقيون لهم أسماؤهم المعروفون بها ولهم أماكنهم الموجودون فيها وبين شخوص وهميين تم إقحامهم في النص ويتفاعلون مع بعضهم البعض سلباً أو إيجاباً، والمطلوب منك أن لا يشعر القارئ بأنهم مجرد أشخاص طارئين على العمل. هناك عناصر يجب أن تتكامل مع بعضها البعض في كتابة نص الرواية التاريخية كانتقاء الحادثة التاريخية المناسبة وتوظيفها في نص روائي غير ممل وتغذيته بعناصر لوجستيه مهمة كاللغة السهلة البليغة والأسلوب والسرد المتوازن غير مُخل والبعيد عن الترهل وفوق كل هذا: كيف تستطيع الإمساك بزمام القارئ حتى تصل به إلى نهاية القصة، وهذا ما يسمى بالحبكة الروائية، ولابد أن تتضافر هذه العناصر مع الخيال الذي يعتبر الوعاء الأكبر لأي عمل إبداعي كتابي، وأنا لا أعرف ما إذا كنت قد حققت هذه العناصر في روايتي أم لا؟ أترك هذا لحكم القارئ والناقد إذا وجد هناك ناقد..
برأيك: كيف تجد تناول النقاد للرواية؟
الحديث عن النقد والنقاد حديث ذو شجون. وفي حقيقة الأمر أنا أعول كثيراً على القارئ أكثر من الناقد، فالعلاقة بين الكاتب والقارئ علاقة تكاملية في المقام الأول، تكفيني تلك الاتصالات الهاتفية أو الرسائل الإلكترونية التي تلقيتها من قراء أعتز بهم أعرف بعضهم ولا أعرف البعض الآخر منهم، اطلعوا على الرواية وناقشوني في جوانب كثيرة منها، ووضعوا يدي على مكامن الضعف والقوة في الرواية مما أسعدني حقا وأثلج صدري، فماذا أريد أكثر من ذلك؟ وانا أزعم، وهنا أتحدث عن نفسي، بأن أي عمل إبداعي قُدر له ان يُكتب ويُنشر يجب أن لا ينتظر صاحبه النقد أو النقاد، أكتب للقارئ فقط ودعه يستمتع بالعمل، دعه يخرج بفائدة مما كُتب. احترم عقله وتفكيره وضع في بالك أن القارئ الجيد والحصيف أفضل بمئات المرات من ناقد نرجسي لا يجيد النقد بمعناه الأكاديمي البحت ولا يطّبق النقد الحقيقي بأدواته المعروفة بمنأى عن المعرفة الشخصية أو تحت تأثير مواقف سابقة.. المناسب له..
عنوان الرواية (فتنة جدة) يحمل شيئا من الإثارة وربما يثير حساسية الرقيب: لماذا اخترت هذا العنوان؟
- لعبة العناوين المثيرة هذه حاولت الابتعاد عنها قدر الإمكان حتى لا يكون العنوان لا يدل عما بداخل الرواية، ولكن أعترف أن العنوان مثير وقد يكون صادما للبعض وقد يتم تأويله تأويلات شتى وهذا في صالح الرواية، فالعناوين قد تكون محرّضة للقراءة أو الاقتناء.
العنوان المثير قد يهم الناشر أكثر من الكاتب وخصوصا في الجانب المادي البحت، ولكنه قد يكون مخاتلا وغير صادق للقارئ؛ فالكثير من القراء الذين وقعوا تحت سطوة العنوان المثير اكتشفوا بمجرد البدء في قراءة العمل انه قد تم خداعهم والعبث بعواطفهم وسلب ما دفعوه من نقود ثمناً لكتاب لم يستطيعوا الاستمرار في قراءته. هذا القارئ مثلاً لو وجد كتابا آخر لكاتب خدعه بعنوان مثير سابق: هل سيغامر ويقدم على شراءه؟ أعتقد ان الإجابة: لا.