للعزلة وحشتها.. ولها إيقاعها الشجي الذي يتردد خارج أعماق النفس وفي داخلها تارة في صمت لا ينقصه الوضوح.. وأخرى في صوت قوي الصدى.. وبعيد الموت..
|
العزلة اغتراب في اقترابه وبعده .. يشكو .. ويتوجع .. يبكي ويتضرع.. يرتل صوت الوحدة دون أن يقوى على اختزان واختزال أدبياتها وما تلهج من ضيق وتبرم..
|
ترى ماذا جاء بوح شاعرنا وهو يواجه هذيان سكونه؟!
|
هذا السكون .. أما زال يهذي بما ذوباه على شفتيه
|
|
إشارة منه إلى حمائمه التي تطوِّف من حوله.. إنه يتساءل:
|
متى يستحيل الرهان انعتاقا، ويصحو الفراغ؟
|
الفراغ لا يصحو إلا بملئه؛ لأنه فارغ من صدى الزمن المتحرك.. لا ناي يحرك سكونه ويبث شجونه..
|
نادم الغيب، فالوجوه سواء |
والسماوات صفحة بيضاء |
والظنون التي اتكأت عليها |
كالعصافير، واليقين فضاء |
لست إصراً على الحقيقة لكن.! |
أنتَ تهذي وما لديك عزاء |
الروح كما يستشعرها متحف أثري .. وطقوس تحف بها الأغباء .. إنها أكبر يا شاعرنا من متحف.. إنها الريح الإنسانية التي تحرك السكون وتملي على الحركة مسارها وخيارها.. ومصيرها..
|
قادم في غيابة الناي فردا |
لتغني .. وخلفك البيداء |
قد تُعزّى. ومعظم الصمت سقيا |
بهتاف .. إذا استقام الماء |
للماء روح، ورياح.. وربح وخسارة.. نقاء وغثاء.. هكذا الأشياء حتى الصامته منها متحرك ينطق بلغته التي لا نحسن تفسيرها..
|
«أسراب البياض».. ماذا عنها؟!
|
تشقى النهايات إن أمعنتِ في طلبي
|
وتقصد الأرض عن إذعان مضطرب
|
وليس في مهجه الآتين متسع..
|
حتى أُهيلَ على أشجانهم نصبي.!
|
أما تكفي الأشجان لوحدها؟ لكل نصب صاحب ونصيب.. أخشى على مهجة الآنين وعليك أنتَ ثقل المأساة.. المواساة غائبة.!
|
|
على الليالي.. وكم أوقدت من تعبي
|
فما استرقت من الأصداء نافلة..
|
لكنه الحزن نَسْكٌ فاض بالريب
|
يسترسل في تراتيله مختصراً لوحة أعوامه وأيامه بهذا البيت المعبر..
|
لست ارتعاشا، ولكن هزّ أوردتي
|
ترنيمة البدء، حتى تهت في طربي..
|
التيه في الطرب أدعى إلى السلامة من تيه الدرب الذي لا علامات فيه..
|
يتحدث شاعرنا محمد إبراهيم يعقوب عن السادرين:
|
نرخي عنان رؤوسنا للسادرين
|
لماذا لا نرفع رؤوس من سدر بدلا من أن نرخي رؤوسنا.. يا عزيزي أكره طأطأة الرأس إلا لله ركوعاً وسجوداً.. وليس لهم:
|
يتواشجون فنصطلي من نار بهجتهم
|
|
|
الصراخ يا عزيزي لا يأتي على حياء.. وإنما على زجر.. وصوت مزلزل.. جرّب مرة صراخا بحياء .. إنك لن تقوى على إيقاظ أحد..
|
ويتحدث عن ظلاله التي مرت..
|
كنا طقوسا حينما فُتن الطريق
|
|
|
دع للعشاق نموهم تأسيًّا بالقامة الشقية.. وإلا اختل التوازن ما بين عملاق وقزم..
|
آه كم كنا نخيط من الصبايا رعشة منذورة
|
منها نفاتح شبهة السرب البعيد
|
مماثلة الشبهة أقرب إلى الفهم من مفاتحتها هكذا أحسب..
|
ذابت حناجرنا.. ونحن نردد الإذعان
|
|
عبثًا نفتش في المرايا عن مخابئنا الحميمه.
|
الحناجر لا تذوب.. تُبحّ.. تلتهب.. هكذا يكفيها.. من ظلالة التي مرَّت يأخذنا معه نحو تجلياته الأخرى..
|
بمن سوف أنجو.. زورق الليل مغمد |
وفي لُجّتي سيفان.. نايٌ وموعد |
وصوتي الذي أبتزّه فاض عن دمي |
وفُضَّت منافيه التي كنت أشهد |
ولم أدرِ هل أغشى الحياة مفجعا |
وقد ينقض الإنسان ما ظل يعقد |
لشعرك الأصيل الجميل صوت أقوى وأجزل عبارة من شعرك المنثور.. وقع إيقاعه يذكرنا بصوت نايك الشجي
|
متى سوف لن أجني تراتيل عزلة
|
وأشجي الندامى كلما قلت رددوا
|
متى؟! ربما يصغي إلى صوت وحشتي
|
ملاذ.. به أنجو.. ومن فيه أُولد..
|
المزيد المزيد من شعرك المعبر.. وتجلياته ألست القائل؟!
|
تجليت في نفسي فما كدت أنتمي
|
أنا البحر، والمجداف، والعجز، واليد
|
أمر على الكثير من تراتيل عزلته الشعرية مرور الكرام بحثًا عن تراتيل جديدة في عنصرها
|
وفي أخيلتها لأقف أمام «مكيده» |
كوني كما شئتِ إن نارا وإن ظمأ |
الحب هذا الذي تخشين قد بَرُأ |
كوني عناقيد دفء أو سماء أسى |
كوني هتافات وعد شدَّنا ونأى |
بعض الوساوس في كفيك أقرأها |
والعطر ألمح في تهويمه نبأ |
خيارات.. هي محصلة اختبارات لا تقبل المهادنة لوَّح بها بعد أن ذبحت أناشيد قلبه:
|
هل تذكرين.. متى كانت نهايتنا؟ |
لقد ذبحتِ أناشيد الهوى خطأ |
عفواً.. إليك قليلا من مدى وجعي |
ما صادف الحب في جنبيَّ متكأ |
ما زال يسأل طعم الريح في جسدي |
من أطفأ النار في عينيك وانطفأ |
أكثر من علامة استفهام واحدة تفتقر إلى تثبيت عند كل سؤال..
|
هذه المرة ركضنا معه في المساحات الفارغة.. لأنها خالية من الزحام وإلا لما أمكننا الركض.. ترى هل إنها فارغة؟!
|
تخفف من الآتين. فالحزن واحد |
وألقِ عصا الرجعى لِمن أنتَ عائد |
ولا تلتفت فالقلب ليست حميمة |
لياليه، والحب الذي ضاع شاهد |
ويطرح أمامنا المشاهد والشواهد والشهود جملة واحدة
|
غزتك رياح الصمت من كل وجهة |
فلا ماء في المنأى ولا القرب شارد |
تعلقت من ظن الطريق بما تزى |
وهل كل ما يعزى إلى الروح نافد؟ |
|
أخذتَ من الغادين لون اغترابهم |
ومن فتنة النجوى غياباً تراود |
ومن همهمات الناي حدسا تفضه |
برمانة تفنى.. فتهمي المواجد.. |
بعض هكذا يكفي.. لم يترك لأسبابه المزيد من المساحات الفارغة التي هوَّم فيها بشعره إلى درجة الركض المُجهد..
|
|
رتِّب سماوات من آسى.. ومن نكأكْ |
كل الجهات غياب فانتبذ ظمأكْ |
واخلع على رجفة الجدران قافلة |
بكراً.. وعلق على الآتين متكأكْ |
إن المحاجر مدت كف شهرتها |
فاهتك لديها -إذا غنيتَ- منطفأك |
يسترسل في توصيفه وتوظيفه لمفردات الحب العاتب إلى درجة الصراع بين قلبه وعقله أيهما يأخذ إلى جانبه.. ويحتمي بسلطته.. حتى وهو يتساءل:
|
خبّأت حزنك في الأوراق حيث ترى |
فهل تلمست في الأوراق ملتجأك |
تقلب العمر مكتوفا إلى وجع |
يكاد يسري إلى أعماق من قرأك |
ماذا جنيته سوى أنقاض أسئلة |
طعم المرارة قد أنساك مبتدأك |
وجع شاعرنا سرى إلى أعماقنا وقد قرأنا معه خطاب بوح لا يخلو من عذوبة.. فيها الكثير من العتاب والقليل من العذاب.. لأن الحب الأقوى هو الذي يملي كلماته قوية دون استئذان.. وهكذا جاءت تراتيل عزلة شاعرنا محمد إبراهيم يعقوب حلوة المذاق والأشواق رغم مرارة بعض أشواكها التي لها وخز الإبر الوجدانية التي لا بد منها للشكوى.
|
الرياض ص.ب 231185 |
الرمز 11321 فاكس 2053338 |
|