بتوجيه سديد من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله - وقبل عدة سنوات، قام الإخوة العاملون بدارة الملك عبدالعزيز بتجميع التراث الشفهي الذي يحوي التاريخ غير المكتوب والرواية الشعبية والقصة الواقعية، والحكاية القصيرة والشعر الشعبي، وكل ما يتعلق بتاريخ المملكة (المحكي) غير المدوَّن، ومن ثم تسجيله حرفياً من أفواه الرواة وشاهدي العيان، من كبار السن ورجال الخبرة والدراية والحافظين لذلك التراث. ومن ثم، أعتقد أنَّ الإخوة الباحثين في الدارة سيقومون (أو قاموا الآن) بـ(تفريغ) تلك التسجيلات ومعالجتها (بحثياً) وتخليصها من الشوائب اللفظية -العفوية- وما إلى ذلك من حشو الكلام الذي لا طائل منه ولا فائدة، ومن ثم، كما أعتقد -أو هو الأمر كذلك- سيُنشر هذا التراث العظيم بوسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرئية، وحسب ما يلائم هذه الوسائل من المواد التي تحتويها الأشرطة.

***

بالطبع هذا العمل الضخم والهام سيضيف الكثير الكثير إلى تاريخنا المكتوب، وإلى المأثور الشعبي بشكل عام. ولكي يكون الواحد منا منصفاً فإنني أذكر جيداً أنَّ الصديق الدكتور سعد الصويان قد قام بعمل مماثل سابق وبجهد فردي أثناء دراسته الأكاديمية لهذا التراث، وقد جاب البلدان والقرى والهجر والمضارب والحواضر والأرياف والبوادي، لتسجيل مادة حية من أفواه الرواة الذين يعرفهم المواطن السعودي جيداً ويعرف آباءهم وأسلافهم وهم يتحدثون كرواة ثقات أو شهود عيان لتاريخ القبائل العربية - النجدية بالذات- وما يتصل بها من قبائل لها علاقات تاريخية تتماشى معها جغرافياً وتشترك معها في صُنع ذلك التاريخ. أقول بعد أن قام الدكتور الصويان بتسجيل المادة الصوتية بما يربو على (200) شريط انكب ولعقد كامل من الزمن لتفريغ هذه الأشرطة كتابياً وب(النص الحرفي) بل واللهجة القبلية للرواة، كما سجلها واستمع إليها شخصياً. وبالطبع ينمّ هذا العمل المميز عن طاقة جبارة ومكابدة يتمتع بهما صديقنا الصويان - عافاه الله. وقد أثمر هذا الجهد الفردي المُضني والمُتعب حقاً عن كتابين ضخمين يتعلقان بتأسيس عميق لثقافة الصحراء إن لم نقل حضارتها (!!) أيضاً. وسنعود لقراءة هذين الكتابين الهائلين وما يحتويان من جهد وتنظير لثقافة مهملة لجزء أصيل على جزء أصيل انطلقت منه أساساً الثقافة العربية بمجملها، بل والحضارة العربية الإسلامية بكل تاريخها المجيد. ونعني بذلك (القبائل النجدية في الجزيرة العربية) موضع الدراسة. ولكننا قبل ذلك نتمنى أن يجمع كل مثقف (واع ومخلص) لتاريخ آبائه وأجداده وتاريخ مملكته ما يستطيع جمعه من ذلك التاريخ النبيل (والنبل فيه فقط).