(الجزيرة) - منيرة بنت عبدالله
عندما تضع كلمة «منتديات أدبية» على محرك بحث شهير مثل (قوقل) فإنك ستفاجأ بأكثر من 13 مليون نتيجة عن رابط ووصلة تدلك على موقع أو مدونة تهتم وتتصل بفنون الأدب المختلفة.
هذا الكم الهائل من المعلومات التي أوردها البحث هل ساهم في الارتقاء بذائقة القارئ الأدبية وساعد على اكتساب مهارات في فنون الأدب.
سؤال طرحته (الجزيرة) بين يدي المختصين للإجابة عنه.
أستاذ الأدب في جامعة الملك سعود ورئيس لجنة الشؤون الثقافيّة والإعلاميّة في مجلس الشورى الدكتور عبدالله الفيفي أجاب عن هذا السؤال بقوله المنتديات الأدبية تنقسم إلى غث وهو الكثير الغالب وسمين وهو القليل النادر يقول « هناك منتديات ساهمت في إفساد اللغة، والذوق العام، لا الأدبي فحسب وهو الغالب - بحسب تعبيره - يقول « هناك منتديات كثيرة تسعى إلى إفشاء العاميّة، وترسيخها، بمعنى العاميّة اللغويّ والفكريّ والاجتماعيّ» ويرى الدكتور الفيفي بأنها - أي المنتديات - تتجاوز القضيّة اللغويّة البحتة إلى قضايا الوحدة الوطنيّة واللُّحمة القوميّة والرابطة العالميّة للناطقين بالعربيّة وأن التيار العاميّ لدينا الآن ممعنٌ في السير بلا هوادة ضدّ تلك المبادئ، جملةً وتفصيلاً. وأضاف الدكتور الفيفي « لقد أصبحت بعض منتديات الإنترنت مضارب البادية الحديثة ومجالس أسمارها، على مدار الساعة. وقد صار الأدب العامّيّ مهوى الأفئدة الإنترنتيّة؛ للأسباب المجتمعيّة نفسها التي جعلت له مكانته الإعلاميّة الطاغية، حين غابت المعايير المبدئيّة الإستراتيجيّة للثقافة والمعرفة، وغلبت معايير العرض والطلب حسب السوق التجاريّة»
وأكد أن ما تشهده الساحة العربية اليوم هو شبكة أخطبوطيّة من «اللهوجة» اللغويّة، عبر الفضاء و«الإنترنت»، وزاد قائلاً « حتى إن المتابع لبعض المواقع العربيّة على الإنترنت ليشعر بالقطيعة اللغويّة مع بعض ما يُكتب فيها ، فهو وإن بدا بحروف عربيّة إلا أنه في خليطٍ لغويّ عجيب، لا تدري أهو هنديّ أم فارسيّ أم إنجليزي أم بلهجة محليّة مختلطة عربيّتها بأعجميّتها؟! وهذا ما وسّع دائرة استبدال اللهجة باللغة في الشِّعر والرواية والقصة والكتابة، عبر الوسائط الاتصاليّة المعاصرة أوّلاً، ثم عبر بعض المنشورات الورقيّة». ويشير أ.د. الفيفي إلى خطورة الوسائط الاتصاليّة المعاصرة- ومنها منتديات الإنترنت- في العلوّ أو الحطّ من شأن اللغة موضحاً سبب ذلك بقوله أنها مستمرّة البثّ، واسعة الانتشار، وعميقة التأثير وأنها حياة الناس وغذاؤهم اليوميّ، على شتّى المراتب الاجتماعيّة.
وبين الدكتور الفيفي أن هناك منتديات متخصصة في اللغة العربيّة وعلومها وآدابها، يقوم عليها أدباء ومختصّون، وهي تؤدي دوراً تعليمياً وتثقيفيًّا مهمًّا. لذلك، فإن المتلقّي الآن هو المسؤول عن اختياراته ، موضحاً أن الإنترنت أصبح عالماً من الأصوات والتوجّهات، فوضاه- في تقديري- مرحليّة، ستنتهي إلى اعتياد المتلقّي على الانتقاء الحرّ الراشد، دون حجرٍ أو تأطير . وقال « لم تعد المسؤولية على المرسل وحده، بل مسؤولية المستقبل، قبل كلّ أحد».
وأبرز أستاذ الأدب في جامعة الملك سعود في معرض حديثه عن الملكيات الفكرية قضية ضياع الملكية الفكرية وانتشار السرقات الأدبية عبر الأثير الرقمي فقال « بالفعل فهي مشكلة حقوقيّة في بعض منتديات الإنترنت، تتعلق بحماية حقوق الملكية الفكرية وحقوق المبدعين والمنتجين من طائلة الادّعاء أو السرقة. ولاسيما أن معظم من يكتبون في تلك المنتديات يستعملون معرّفات بأسماء مستعارة، تجرّدهم من مسؤولية ما يكتبون أو ينقلون أو ينشرون. ومعروف أن معظم الدول العربيّة قد انضمّت إلى عضويّة عدد من الاتفاقيّات الدولية لحماية حقوق الملكيّة الفكريّة. غير أن عدم شموليّة الحماية الفكريّة لوسائط النشر كافّة يفتح منافذ شتّى غير تقليديّة لاختراق تلك الحماية. على أن اتفاقيّات الملكيّة الفكريّة وأنظمتها لن تحمي تلك الملكيّة إلاّ لو أصبحت محلّ المتابعة والتطبيق، وهذا أمر بدهيّ. والواقع الثقافيّ العربيّ يكشف أكثر من غيره عن قصورٍ عامٍّ في التطبيق؛ ولذلك تحدث الاعتداءات، والتجاوزات».
ولم يكن رأي أستاذ الأدب الحديث ووكيل قسم اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور صالح المحمود ببعيد عن رأي الدكتور الفيفي إذ كان لديه تحفظ على غالبية المنتديات معللاً ذلك بقوله: «أشعر أنها أسهمت في انحطاط الذوق الأدبي وتدني مستوى الإبداع ؛ إذ إنها باتت مرتعا خصباً لكل من يظن نفسه موهوباً دون أن يمتلك مثقال ذرة من إبداع، وهذا بدوره أغرى كثيرين ليقتحموا غمار تلك المنتديات ويكتبوا فيها برؤية غائمة وأداء متدنٍ كما أن الذين يتصدون للنقد والتعليق هم إما ضعاف وإما مجاملون لا يستطيعون تقديم شيء ، وهنا تحولت المنتديات إلى بيئة مشوهة للذوق و قاتلة للإبداع». ويضيف قائلاً « إن الشبكة فضاء كأي فضاء لا اعتبار به بقدر ما يكون المهم طريقة استثمار هذا الفضاء»
ورأي الدكتور المحمود أن استثمار هذا الفضاء الإلكتروني من شأنه صناعة بيئة إبداعية كتابية ناضجة، وذلك من خلال منحها الضوء لمواهب كثيرة كانت مدفونة وبعيدة عن الضوء، فالشبكة قدمت لها خدمة تقنية جليلة إذ وصلتها بالعالم كله دون جهد أو تعب أو تملق للآخرين وهنا أتحدث عن المدون ات و عن بعض المواقع والمنتديات الجادة الناضجة وهي قليلة».
وبدى أستاذ الأدب الحديث والملحق الثقافي السعودي في قطر الدكتور عبدالرحمن السماعيل أكثر تحفظاً من الأدب الإلكتروني ، وآصفاً الكتاب بأنه هو المصدر الأساسي لثقافة القاريء ذي الميول الأدبية حيث قال « إن القاريء لن يلجأ إلى الانترنت لزيادة معرفته واطلاعه فمنتديات الانترنت مجرد رافد ثانوي في حياته الأدبية « مشيراً إلى أن الإجابة على سؤال هذا التقرير يحتاج إلى رصد استبياني لمعرفة مدى أثر المنتديات الأدبية على شبكة الإنترنت مضيفاً: «قد يستفيد من منتديات الانترنت من لديه رغبة في الاطلاع على ماينشر حديثا في الصحافة العربية من مقالات نقدية أو قصائد أو أعمال سردية قد لا يجدها في كتاب مطبوع. أما الذين ليس لديهم ميول أدبية فليس للمنتديات نصيب منهم».