لا يتحقق في عالمنا العربي شيء دون توسُّل..

حكوماتنا العربية تتوسل الغرب والشرق لستر ضعفنا وهواننا على العالم كله..

ومؤسساتنا تتوسل مجلس أمن لم ينشأ أصلاً إلاّ لتقييدنا وتكميم أفواهنا وشلّ قدراتنا على الحركة..

كلُّ تصرفاتنا وردود أفعالنا تجاه ما يحدث لنا، عبارة عن مجموعة توسلات نسوقها هنا وهناك عسى أن تلقى اهتمام أحدهم فيشفع لنا عند أصحاب القرار

نتوسل المخالف لنا في الدين والعقيدة ليسمعنا، ونركض خلف هذا الذي يبتعد عنا قاصداً نتوسله أن يمنحنا فرصة أخرى لنعدل من أمرنا معه ..

لا نأخذ هذا الجزء اليسير من حقوقنا إلاّ بعد أن نسوق لها ألف وسيلة ووسيلة نتوسل فيها غيرنا ..

والتوسل بالمناسبة أمر لم يطرأ في حياتنا العامة وعلاقاتنا مع الغير، فهو مؤسّس أصلاً في نفس كل عربي .. فلا تقضى حاجة له دون أن يتوسل صاحب الشأن، على أنني استثني فترة خالدة شرفت بوجود الخلفاء الراشدين.

فهذا الشعر الموروث الذي نحفظ معظمه، بما فيه من مدح وقدح وتصوير ومبالغة، ما قيل أصلاً إلاّ توسلاً للوصول لغاية، وهذه القصص التي تكثر وتتنوّع في موروثنا، أعيدوا قراءتها ثانية لتلمحوا كلّ أصناف التوسل بالتبجيل والنفاق التي لولاها ما تحققت غايات من طلب.

فلا جرم أن نسير كما سار أسلافنا، ونكبر على ألاّ نحصل على حقوقنا إلاّ بعد توسل نسوقه لهذا أو ذاك.

للحصول على وظيفة لابد أن نتوسل أحدهم..

لقضاء مصلحة لابد أن تبحث عمن يقبل توسلاتك ويعينك..

لتظهر في الإعلام لابد أن تتوسل ظهورك بطريقة أو بأخرى..

ولتكتب لابد أن تتوسل لمقالاتك..

ولكي تفعل أي أمر لابد أن تقدم ما يتوجّب عليه من مظاهر التوسل..

هذه حقيقة حالنا في مجتمع عربي يقول إنه أقرب من غيره إلى المجتمع المثالي.

في العمل نتوسل رؤساءنا حتى ونحن نطالب بإجازاتنا السنوية وبأيام راحتنا الأسبوعية.

وفي الشارع لابد أن نتوسل متهوّرين لا يسمحون لنا في النفاذ من مخرج إلى الطريق الرئيسة.

وفي المستشفى نتوسل سريراً أو عناية وإن دفعنا ثمنها وتكاليفها المادية.

ولإصلاح البنى التحتية لابد أن نتوسل المسؤول حتى ونحن ندفع ما يفرض علينا من ضرائب.

حتى في البيت نتوسل برّ أولادنا وصلاح زوجاتنا.

نحن مجبولون وإن شمخت مظاهرنا وهيئاتنا على التوسل، وإن علت أصواتنا بشعارات نرددها في كل مناسبة، حتى ونحن نشتري صحن فول نتوسل بائعه أن يتوصى لنا فيه..

لا نحسن أن نفعل أي شيء، ولا يتحقق لنا شيء أصلاً دون أن نسوق توسلاتنا ونفاقنا..

أما لِمَ نحن على هذه الحال، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل ...

والله المستعان.