قرأت خبراً في جريدة الجزيرة بأن ولي أمر طالب قد شج رأس المعلم في فناء المدرسة أمام الطلاب وزملاء المعلم بسبب أن المعلم قام بإرسال الطالب إلى المرشد الطلابي نظير سوء سلوكه، وقد تم الاتصال بولي أمر الطالب الذي أتى إلى المدرسة هو وأبناؤه وقاموا بالاعتداء على المعلم.
إن هذا التصرف من ولي أمر الطالب تصرف غير تربوي، ولو كان قد حصل من الطالب لاتهمنا أهله بالخطأ في تربيته فما بالكم بأن هذا التصرف قد حصل من ولي الأمر نفسه، فلماذا نلوم أو نعاتب الطالب على سوء سلوكه أو تصرفه مع معلمه فهذا الذي حصل هو إهانة للمدرسة وللوزارة والمعلم، فما هي الأسباب التي تؤدي إلى حدوث هذه الأفعال؟ منها عدم معرفة المهام الذي يقوم بها المعلم والذي يقوم بتربية أجيال كثيرة فيتخرج على يديه الطبيب والمهندس والمحاسب والضابط أي يقوم بتخريج صفوة المجتمع ورحم الله أياماً كنا نرى المعلم فترتعد فرائسنا ونرتعش وكان الطالب منا لا يسعه الفرح إذا حفظ المعلم اسمه وكان يفتخر بذلك بين زملاءه. والمعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتقدم والأمم من حولنا إلا بعد أن اهتمت بالعلم والتعليم لا لأنها تمتلك اقتصاداً قوياً ولكنها تجل العلم وتحترمه لأنه سبب من أسباب التقدم، فالولايات المتحدة الأمريكية ما تقدمت هذا التقدم المذهل وأصبحت القوة الأولى على العالم إلا باحترامها للعلم والعلماء فهي تجلب كل عالم يظهر في بلده وتتعاقد معه وتوفر له كل الإمكانيات المادية والبشرية والمعملية للابتكار والاختراع حتى يثبت نظرية معينة أو يقوم بتركيب نوع من الدواء وغير ذلك من أنواع العلم والمعرفة وما تقدم مملكتنا في عمليات التوائم السيامية حيث أصبحت أول دولة في العالم تقوم بإجراء هذه العمليات عن طريق معالي الوزير الدكتور عبدالله الربيعة إلا لأنها اهتمت بالعلم.
وأنا في دهشة وعجب من الذي فعله ولي أمر هذا الطالب حيث إننا في مملكتنا نوقر العلم والمعلمين وهل نحن في حاجة إلى أن نتذكر ونذكر على فضائل المعلم والعلم والفوائد التي سوف تعود علينا من وراء ذلك حيث إن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
يا طالب العلم كل طريق تسلكه كأنك تسلك طريقاً إلى الجنة والملائكة تحفك وترعاك وتحفظك، ويستغفر لك كل أهل السماء وأهل الأرض والحيتان وهي في جوف الماء مصداقاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً نم طرق الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وأن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وأن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائل الكواكب وأن العلماء ورثة الأنبياء). وما زلنا في التذكرة والتوعية ومعرفة فضل العلم والمعلمين والعلماء حيث قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (الناس محتاجون إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج بعدد الأنفاس). وأرسل إلى كل ولي أمر لا تنحَز إلى ابنك ضد معلمه ولا تأخذك الرحمة والعطف على ابنك فهي رحمة وعطف قاتلة، فأنت لست بأحب على ابنك من خليفة المسلمين هارون الرشيد الذي كان يحكم نصف الدنيا والذي كان يقول للسحابة وهي في السماء أينما تمطري فسوف يأتيني خراجك، لم يعنف معلم ولديه الأمين والمأمون (الكسائي) فقصته أنه كان يربي ويأدب ابني خليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد، وهما الأمين والمأمون وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام قام الإمام الكسائي فذهب الأمين والمأمون ليقدما نعل المعلم له فاختلفا فيمن يفعل ذلك وأخيراً اتفقا على أن يقوم كل منهما بتقديم واحدة ورفع الخبر إلى هارون الرشيد فاستدعى الكسائي وقال له: من أعز الناس؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين قال بلى، أعز الناس من إذا نهض في مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له واحدة، فظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر الكسائي، فقال الرشيد لو منعتهما لعاتبتك، فإن ذلك رفع من قدرهما.
ويروى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية وطلبه عبادة، وممارسته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه من لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنيس في الوحدة والصاحب في الخلوة، والدليل على الدين والمصبر على السراء والضراء، والوزير عند الأخلاء والقريب عند الغرباء ومنار سبيل الجنة، يرفع الله به أقواماً فيجعلهم في الخير قادة سادة هداة يقتدى بهم، أدلة للخير تقتفي أثرهم وترمك أفعالهم وترغب الملائكة في خلتهم وبأجنحتها تمسحهم، وكل رطب ويابس لهم يستغفر حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه والسماء ونجومها، لأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الإبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأبرار والدرجات العلا ومدارسته بالقيام به يطاع الله عز وجل وبه يعبد وبه يمجد، وبه يتورع به توصل الأرحام، وهو إمام والعمل تابعه، يلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء).