في رحلة داخلية بالطائرة من مطار القصيم الإقليمي إلى مطال الملك فهد بالدمام وحالما أقلعت الطائرة من مطار القصيم حتى تراءت لي من خلال نافذة الطائرة أرياف القصيم الخضراء وبساتين نخلها الشامخة وبدأت قامات نخيلها الباسقة وحقول نخلها الخضراء تبدو كلوحة بديعة تطرزها من كل جوانبها كثبان الرمال الذهبية، ولاح على البعد وادي الرمَّة الخصيب وقد امتدت على جانبيه حقول لا متناهية من الخضرة، ولاحت على البعد بعد ذلك واحة الزلفي الجميلة وسط كثبان رمال عالية تحيط بها من الغرب والشمال، وواحاتها المتفرقة وسط كثبان رمال نفود الثويرات، وما لفت نظري هو نخيل الزلفي الشامخ وسط صحارٍ لافحة الحرارة صيفاً.. تلوح عسبانها الخضراء وتمتد جذورها وسط جو لافح الحرارة لا تزيدها سموم الصيف ولواهبه إلا اخضراراً وعطاءً، بل لا تعطي ثمارها اللذيذة إلا في أشد أيام الصيف حرارة، بل تجود بألوان متعددة زاهية اللون في وسط صحارٍ قاحلة لافحة.
كنت طوال هذه الرحلة أتأمل هذه الصحاري القاحلة وكيف أن أشجار النخيل الخضراء تلوح وسط هذه الصحاري سامقة شامخة، حقاً إنها شجرة الصحراء التي وهبها الله لهذه البلاد.. ولاحت لي على البعد أيضاً واحة الأحساء بنخيلها التي تبدو كغابة في بلاد استوائية، أو أحد غابات الأمازون، حيث تلوح قامات النخيل من على البعد على ضفاف رمال الدهناء ورمال الربيع الخالي.. وعلى مقربة من حقول النفط التي تغذي العالم بالطاقة، انظروا إلى المعادلة حقل نفط بجانب حقل نخل.. وهذا أوحى إلي بإمكان تساوي طرفي المعادلة (حقل نفط = حقل نخل) أي بمعنى التساوي الذي يعني الناتج الإجمالي لحقل النفط، هل يساوي الناتج الإجمالي لحقل النخيل.. إن الإجابة على هذا السؤال يقتضي تساوي مدخلات طرفي المعادلة أي أنه يجب زيادة مساحة حقل النخيل.. ولكن هل بالإمكان زيادة مساحة حقل النخيل.. في اعتقادي أن الإجابة بنعم.. وهو أن حقل النخيل يجب أن يكون خارطة المملكة العربية السعودية من شمالها إلى جنوبها، وشعارها الذي يحتوي على النخلة هو المحفز الأساسي لتحويل خارطتها إلى حقل نخل يساوي حقل النفط بثرواته وإمكاناته.
هذه الصحاري القاحلة وخاصة في الربع الخالي وعلى امتداد الأحساء وواحة يبرين ذات العدد الهائل من النخيل يمكن أن ترسم جزءاً من الخارطة الخضراء التي تشمل أيضاً منطقة الرياض وخاصة الخرج ووادي الدواسر (الحوطة - الحريق) ومحافظة الزلفي، وتشمل أيضاً منطقة القصيم ذات الشهرة ببساتين النخيل حيث يخترق منطقة القصيم وادي الرمة الخصيب بطميه وطينه الذي لا يصلح إلا للنخيل. وصناعة زراعة النخيل في هذه المنطقة تقوم على جهود متواضعة من مزارعين يزرعونها حسب إمكاناتهم ومساحات أراضيهم.
هذه المنطقة ترى فيها بساتين النخيل اليانعة الخضرة في الأودية وعلى سفوح كثبان الرمال فما بالكم لو زرعت كلها بستاناً واحداً.. نعم يجب أن تتحول صحراؤنا كلها إلى بستان نخل واحد.. فما أروع هذه الصحراء التي أعطتنا النفط والذهب الأسود.. وتجود على أرضها أشهر شجرة ذكرها الله في كتابه بل وأثنى عليها إنها (النخلة).. يجب أن يتحول شعارنا المرسوم عليه النخلة إلى اقتصاد، وأن يكون برنامج وزارة الزراعة القادم هو زراعة النخلة.. فلدينا حالياً (مليون نخلة) ولا يمكن أن يحتج محتج ويقول إن زراعة النخلة هدر للماء.. بل الهدر هو في زراعة الأعلاف لأن النخلة اقتصادية في الماء.. صحراوية بطبعها.. لم يوجدها الخالق سبحانه في هذه الصحراء إلا وهي تتحمل العطش وقلة الماء وتعطي ثماراً كما لو كان الماء نهرا جاريا عليها.
إن النخل لدينا لا يستهلك إلا (1%) من المياه المستنزفة سنوياً إذا تم سقيها بطريقة علمية وبالقدر الكافي لها.. فلنعمل سوياً لتصبح النخلة شعارنا.. ولتصبح المملكة من شمالها إلى جنوبها بستان نخل أخضر.. ولتصبح بلد الـ(100 مليون نخلة).