بعد سورة غضب أردوغان في المؤتمر الاقتصادي في مدينة بازل السويسرية العام الماضي على ما تبجح به الثعلب الصهيوني العجوز شمعون بيريز من أكاذيب وافتراءات، وهي عادة متأصلة في نفسه ونفوس جميع عتاة الصهاينة؛ حيث يستغفلون العالم ويحتقرون الآخرين ويظنون أنهم وحدهم الأذكياء الأنقياء فيكذبون ويكذبون ويظنون أن العالم سوف يصدقهم في كذبهم المستمر؛ لأن غيرهم رعاع وسذج لا يستحقون إلا أن يكيلوا لهم بهذا المكيال.
بيريز الحقير استمر في سرد الأكاذيب والافتراءات في كلمته التي ألقاها أمام المؤتمرين بشأن الجريمة المروعة التي شنتها الدولة الصهيونية على مليون ونصف مليون من الناس الأبرياء والعزل في قيتو غزة الكبير وأمطرتهم بكافة أنواع الأسلحة المحرمة دولياً مثل: قنابل الفسفور والنابالم والقنابل العنقودية والمسمارية ومواد كيماوية سامة بطائرات الإف 16 وكل أسلحة الدمار الشامل هذه زودتها بها الولايات المتحدة الأمريكية إما مجاناً أو على حساب أو بثمن بخس يدفعه دافع الضريبة الأمريكي رجلاً كان أو امرأة أو طفلا وهم صاغرون؛ إرضاء وتقرباً وتودداً لعيون الصهاينة ودولتهم المصطنعة والاستعمارية فما كان من طيب أردوغان إلا أن استشاط غضباً وكمداً لسماع هذه الترهات فغادر المؤتمر غير آبه أو آسف عليه ما دام الحبل متروكاً لمن يعتلي منصته أن يكذب ويكذب حتى يخيل إليه أن القوم قد صدقوه وانه قد أخذ بألبابهم وجلس يتفرج ويضحك على سذاجتهم وسكوتهم عن أكاذيبه وهو المتمرس في هذا المجال منذ نعومة أظفاره.
كانت غضبة طيب أردوغان واضحة وصريحة وقوية ومدوية ضد ما تفوه به الدجال بيريز وضد بجاحة الصهاينة ودولة العصابات الإجرامية العنصرية الاستعمارية. بعد ذلك الموقف المفاجئ والشهم من اردوغان تأبطت به الدولة الصهيونية وأضمرت له ولدولة تركيا الإسلامية شراً لهذا الانقلاب بعد روابط قوية بين الدولة الصهيونية وتركيا سواءً كانت عسكرية أو اقتصادية أو سياسية منذ سنوات بعيدة من التعاون المشترك؛ حيث كان التعاون العسكري بين الدولتين على أشده وكانت لإسرائيل شبه قواعد عسكرية في تركيا ورادارات على الحدود التركية الإيرانية للرصد والتنصت على إيران وكانت الطائرات الإسرائيلية تقلع وتهبط في المطارات التركية وتجري مناورات مستمرة بين البلدين وتزود إسرائيل تركيا بالأسلحة وتقوم بصيانة الطائرات والدبابات التركية وتؤمن لها قطع الغيار، فالمعروف أن الدولة الصهيونية هي قاعدة كبيرة ومستودع كبير لجميع أنواع الأسلحة الأمريكية المدمرة وتعب منها الدولة الصهيونية كيفما تشاء ومتى تشاء، بل وتفشي وتبيع أسرارها العسكرية للصين وروسيا ودول أخرى وتقبض الأثمان بدل الولايات المتحدة الأمريكية، وحلاوة على قلب أمريكا. انتظر عتاة الصهاينة الفرصة السانحة لانحراف تركيا عن خط التعاون والتجاوب مع رغبات الدولة الصهيونية واتجاهها للتعاون مع محيطها الإسلامي وجوارها العربي فقرروا معاقبتها والانتقام منها بكل الوسائل والسبل فمثلاً في واشنطن من المعروف أن (الإيباك) وهو الذراع الخارجية للدولة الصهيونية البغيضة واللعينة ومنظمات صهيونية كثيرة بعضها يعمل في العلن والبعض الآخر في الخفاء، وتحت مسميات وعناوين مختلفة وكثيرة بدأت بالتعاون مع لوبي آخر قوي وهو اللوبي الأرمني ينبش ما يعرف بمذبحة الأرمن وادعاء إبادتهم على يد الأتراك، وشن حملات دعائية وصحافية وإعلامية على أردوغان وحكومته والدولة التركية، ثم جاءت الدولة العبرية الفرصة للانتقام من تركيا أكثر وأكثر على طبق من ذهب عندما قررت الحكومة التركية إرسال السفن محملة بالمواد الطبية والغذائية لكسر حصار مليون ونصف فقير بائس فلسطيني في غزة وللأسف فإن تركيا لم تتصرف بحكمة وحذر أشد من غدر الصهاينة المعروفين به ومن تحديهم واستئثارهم بالعالم أجمعه فلم توفر حماية ومراقبة لتلك الحشود التي أقلتهم السفن المغادرة لكسر الحصار، فما كان من الصهاينة الغادرين إلا أن هاجموا هؤلاء الناس الأبرياء والعزل، والذين كان من ضمنهم نساء وأطفال، وخصت السفينة التركية بالذات بالهجوم عليها وهي في المياه الدولية لزيادة التحدي والصلف والغطرسة الصهيونية وارتكاب جرائم ضد الأبرياء غير مبالين بردة الفعل التركية والعالمية، فقتلت تسعة أتراك أبرياء وعزل، بل وألقت باثنين منهم طعماً لأسماك القرش ولم تكن ردة الفعل التركية على قتل أبنائها الأبرياء بدم بارد بتلك القوة أمام هذه الغطرسة والصلف الصهيوني، وهذا ما توقعه العدو الصهيوني فهو منذ عقود طويلة يشن الحروب ويستولي على الأراضي ويقتل ويدمر كل شيء يتحرك أمام العجرفة الصهيونية ولا يجد من يردعه، ويخرق ولا ينصاع لقرارات الأمم المتحدة ويجد من يعينه ويؤيده فيزداد صلفاً ويتمادى عجرفة واستكباراً.
اليوم نجد تحرك نشاط المنظمات الكردية والتفجيرات الحاصلة في مدينة اسطنبول وغيرها من المدن التركية وعلى طول امتداد الحدود التركية ومن المعروف جيدا مدى التداخل والتعاون القائم بين أكراد العراق وأكراد تركيا وربما الأكراد إيرانيين والاستخبارات والدولة الصهيونية، ولا أستبعد أن الصهاينة بدأوا في تحريك وتنشيط وإمداد الأكراد الأتراك بالمعلومات والسلاح والخبرة لمحاربة وإزعاج وإقلاق وإشغال وإلهاء الحكومة التركية وإضعافها بحيث تنشغل بمحاربة الأكراد عوضاً عن الالتفات إلى مساعدة البائسين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصرين من كل الجهات والأبواب الموصدة في وجوههم من كل اتجاه.
وهنا علينا واجب تقديم وافر الشكر وجزيل الامتنان للسيد طيب أردوغان وللأمة التركية ودولة تركيا الشجاعة التي آلت على نفسها لتكون الدولة الأولى عالمياً لمد يد العون والمساعدة والإغاثة لفلسطيني غزة المحاصرين وإعطائهم جرعة قوية للتمسك بالحياة، وأن هناك من سيقف بجانبهم وبقوة ووضعت الدول العربية في موقف حرج لم يستطيعوا معه إلا محاولة مجارة الدولة التركية بفتح نافذة كانت موصدة في جدار الحصار الصهيوني، والآن أصبحت مواربة ليدخل منها شعاع من الأمل والنور في كسر طوق الحصار الظالم. كل الآمال الآن معلقة على الدولة التركية التي يجب على جميع الدول العربية والإسلامية تشجيعها في ضمها واحتضانها في محيطها الصحيح والتعاون معها في كسر هذا الحصار والوقوف بقوة في وجه الكيان الصهيوني للحد من مشاريعه الاستيطانية خاصة في القدس الشريف وتفريغها من سكانها المقدسيين الأصليين وإحباط آمالهم في هدم المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين والقبلة الأولى ومسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وتحجيم صلفهم وغطرستهم.