منذ أيام فَقَد الوسط الصحفي رجلاً مخلصاً خدم الصحافة السعودية ممثلة بجريدة الجزيرة السعودية، التي امتدت خدمته فيها أكثر من أربعة عقود، قدّم فيها عصارة خبراته موظِّفاً أخلاقيات المهنة الصحفية في أعلى درجاتها، ومعتبراً نفسه مواطناً سعودياً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ لأنه يؤمن بأن المواطنة لا ترتبط بالحصول على الجنسية طالما أن البلاد التي يقيم فيها احتضنته وفتحت المجال أمامه للبحث عن سبل العيش وتقديم مقابل ذلك تجاربه وخبراته وإبداعاته لخدمة هذا الوطن؛ فعشق الصحافة من خلال عمله في جريدة الجزيرة التي أحسنت الظن به وأعطته الثقة ليكون من الكوادر الرئيسية لبلورة العمل الصحفي فيها؛ فتقييم المقالات وتصحيحها يعتبران من العوامل المهمة في تقديم مادة صحفية راقية، وهو ما يحتاج إليه رئيس التحرير؛ كي يتفرغ لأعماله ومسؤولياته، وهذا ما عبّر عنه الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة في رثائه المتميز للأستاذ عبدالهادي الطيب؛ حيث ثمّن له جهوده وما قدمه للجريدة خلال العقود الأربعة الماضية من عمرها. والقارئ والكاتب في جريدة الجزيرة يتفق مع الرؤية التي قالها عنه في مقالته؛ لأنه فرض احترامه على الجميع، وكسب القرّاء والكتّاب؛ حيث لم يقتصر عمله على ما يتم في أروقة الجريدة، بل كان يتصل بأصحاب المقالات ويُبدي لهم ملاحظاته وتوجيهاته على المقالات قبل نشرها، إضافة إلى تشجيعه لهم على الاستمرار في الكتابة والتواصل مع الجريدة، وأنا واحد من هؤلاء الذين شملني بنصحه وتشجيعه لي؛ حيث كنت أجده بين وقت وآخر يتصل بي عبر الهاتف ويخبرني بمقالة كتبتها وما هي ردة الفعل حولها، ويقول لي «استمر في الكتابة ولا تتكاسل؛ فإن الكتابة حافز لك على زيادة حصيلتك الثقافية والتفاعل مع هموم الأمة»، إضافة إلى توجيهه لي بأن أكون مرتبطاً بالتقنية عند كتابة المقالة الصحفية؛ حيث إنني كنت في بداية الكتابة في جريدة الجزيرة أكتب بالطريقة التقليدية ولا أستخدم الآلة التقنية، والفضل له بعد الله في تغيير طريقة الكتابة من خلال تقنية الحاسوب. أيضاً من الأمور التي لفتت انتباهي في تعامله مع المقالات اهتمامه بالحس الوطني والتفاعل معه بشكل يفوق التصورات؛ فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يهمل أية مقالة ترتبط بالمواطنة والولاء لولاة الأمر في هذه البلاد الطاهرة؛ حيث تجده يتفاعل معها ويحرص على تقديمها للنشر لتكون متزامنة مع الأحداث الوطنية مثل اليوم الوطني للمملكة، إضافة إلى المناسبات الوطنية الأخرى. أيضاً من الأمور التي قد يجهلها البعض تحامله على نفسه بالرغم من الظروف الاجتماعية والمرضية التي عاشها مع ابنه معتز - رحمه الله - إضافة إلى الظروف الصحية التي عاشها في السنوات الأخيرة؛ فتجد العمل الصحفي والانضباطية فيه حاضرة معه حتى آخر يوم في حياته؛ لأنه تعوّد على الإخلاص في عمله، وأن يكون دائماً عند حُسن ظن من طرح به الثقة. وأذكر بهذه المناسبة ما قاله لي عن شكره وتقديره للأستاذ خالد المالك وما أعطاه من ثقة ووقفاته الإنسانية معه منذ أول يوم تقلّد فيه العمل في جريدة الجزيرة، وأن النجاحات التي حققها ما كانت تتم لولا الله ثم دعمه وثقته به.
رحمك الله يا أبا معتز، وأسكنك فسيح جناته، وألهم ابنك أمجد وحفيديك نايف وفيصل ابني المرحوم معتز الطيب وزوجتك وكريماتك وأسرة الطيب كافة في الرياض وفلسطين الصبر والسلوان.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
منصور إبراهيم الدخيل - مكتب التربية العربي لدول الخليج