الخدمات الصحية المقدمة في المملكة لا ينكر أحد مدى الجهد المبذول للارتقاء بها إلى مستويات مرضية للجميع، ولكن بالمقابل لا يمكن لوزارة الصحة أن تقدم تلك الخدمات منفردة بأي حال، ولذلك يلعب القطاع الخاص دوراً بارزاً في تغطية الاحتياجات المتنامية بشكل سريع على الخدمات الصحية.
لكن الأسعار التي يتم وضعها مقابل تلك الخدمات متباينة بشكل كبير ولا تشعر بمعيار يحدد الأسعار، وحتى نعطي مثالاً أكثر دقة فإنّ تكاليف علاج الأسنان بالمملكة تُعد مرتفعة بشكل كبير وتختلف بين مركز وآخر بنسب عالية، ومن يريد اللجوء إلى مركز حكومي فعليه أن ينتظر دوره بعد ستة أشهر وأحياناً سنة نتيجة الضغط الكبير من المراجعين، فتخيل أنك ستصبر على ألمك أشهراً حتى تكمل علاجك وإلاّ فعليك الاتجاه لعيادة خاصة سواء تتبع مركزاً أو مستشفى، وعندها سيكون الألم مضاعفاً لأن تكلفة علاج بعض الحالات تفوق تكاليف عمليات في بعض الدول المجاورة، بل حتى عمليات تجرى هنا أيضا لماذا هذا الارتفاع بالأسعار لا أحد يعرف، فعلاج سحب العصب وتوابعه وصلت تكلفته بأحد المراكز المعروفة إلى ما يفوق 3000 ريال وتجد مركزاً آخر يقل عن ألف ريال لنفس الحالة، وقد سألت أخصائياً بصناعة تركيبات الأسنان عن ما يسمى (التلبيسة)، وقال لي بأن النوع الفاخر منها نبيعه على المراكز بما يقارب 100 ريال بينما تسعيرته بالمراكز لا تقل عن 600 ريال.
والغريب صراحة أننا إلى الآن لم نحل مشكلة المواعيد بالمستشفيات الحكومية، وبنفس الوقت لم نر ضبطاً حقيقياً لتكاليف العلاج في القطاع الخاص، وذلك لمختلف التخصصات، وليس فقط للأسنان التي تعدها شركات التأمين عمليات تجميلية إلى الآن!!! وتغطيها بمبالغ زهيدة لا تكفي لعلاج حالة واحدة مما يواجهه أي شخص بشكل اعتيادي، أما عمليات التقويم فحدث ولا حرج، فبعض المراكز تطلب أكثر من عشرين ألف ريال وبعضها يطلب لنفس الحالات نصف الرقم.
إن هذا التباين بالتسعيرة يدل على عشوائية تحكم هذا الجانب إلى الآن، ويظهر مدى الحاجة لتنظيم عمل القطاع الخاص، لأنّ مثل هذه الاختلافات تعد استنزافاً مالياً وضغطاً على جيوب الأسر التي تعاني من ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب مستويات التضخم التي باتت مرهقة ولن تحل بوقت قصير، لأن فيها عوامل خارجية وداخلية ولكن تكاليف العلاج مرتفعة حتى قبل ارتفاع مستويات التضخم. إن أحد الحلول المهمة هو التركيز على السماح وتشجيع فتح العيادات الخاصة بشكل كبير، حتى تتحقق عدة فوائد بوقت واحد، فهي ستسهم بزيادة المنافسة وبالتالي التأثير على التكاليف، وستخفف الضغط على المستشفيات، بحيث لا يراجعها إلا من يحتاج لخدمات أعلى وسيقلل من الإنفاق على الكثير من بنود فاتورة العلاج التي تكلف سنوياً ما يفوق العشرة مليارات ريال، بخلاف المساهمة بإعادة خطة التوسع بالخدمات الصحية عبر بناء المستشفيات والمراكز الصحية وتكاليفها الكبيرة، خصوصاً أن قطاع التأمين بات حجمه كبيراً من حيث عدد الشركات التي تستطيع أن تساهم بشكل كبير في تغطية الخدمات الصحية بشكل واسع، مما يساعد الوزارة على التفرغ أكثر لمراقبة الجودة والأداء والتقييم وتطوير مستوى الخدمات، الأمر الذي سينعكس بنهاية المطاف على صحة الفرد والمجتمع، وبالتالي الاقتصاد من جوانب عديدة.