Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/07/2010 G Issue 13811
الخميس 10 شعبان 1431   العدد  13811
 
أعراف
القاضي والحب!!
محمد جبر الحربي

 

لي مع الموت عمْر، فقد توفيت أمي ولي من العمر سنتان فلم أعرفها، وتوفي أخي الأكبر بحادث سير مروع في حرض وهو في مقتبل العمر، ثم توفيت أختي التي ربتني بعد أمي، فابنتها، فعمّي، فوالدي قبل سنوات، ففقدت معظم أغصان شجرة العائلة، تغمدهم الله برحمته.

وكان أنْ نجوت برحمة من الله من الموت مرتين: طفلاً حين تساقطت أعمدة إحدى البنايات عليّ من كل جانب، وأنا أعبر الشارع راجلاً، ووحّد العمال اليمنيون الله حينها، وشاباً من حادث سير قاد إلى علاقة غير ودية أبداً مع السيارات.

وقد أثر ذلك على حياتي وكتابتي بشكل كبير، وعلى تجربتي الشعرية بشكل خاص.

ذكرت ذلك لأنه بالأمس القريب أهداني الإنسان الحبيب، والأستاذ الأديب حمد بن عبد الله القاضي كتابه الجديد «غاب تحت الثرى أحبّاء قلبي» الصادر عن دار القمرين للنشر والإعلام، لكي أجد بين أوراقه سطر عزاء، ولمسة وفاء، ولأستمطر من بين حروفه غيمة طمأنينة، وهتّان دعاء، وكذلك كل من فقد غالياً أو غاليةً، كما أراد القاضي من تأليف هذا الكتاب.

وجاءت فكرة الكتاب حسب القاضي: «من وحي الحديث الشريف «اذكروا محاسن موتاكم «، وإذا كان الثناء على الأحياء أمراً محموداً إذا كان حقاً، فالله يقول: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم). فإن ذكر محاسن الراحلين والحديث عنهم هو عنوان الوفاء وقمة الإيفاء، فضلاً عن أنه يكون سبباً للاقتداء بهم، أما الأهم من ذلك فهو: الدعاء لهم عند ذكر محاسنهم وأعمالهم المباركة، وسجاياهم النديّة، وصنائعهم الجميلة التي قدموها في حياتهم. إن الرثاء والثناء والذكر الحسن لهؤلاء الراحلين يجيء من منطلق: أن الناس شهود الله في أرضه، ولعل ذلك هو بشراهم المعجلة في الحياة الدنيا بحول الله، وهذا يسعد أحبابهم، ويخفف من غمامات الحزن على رحيلهم».

يقع الكتاب في فصلين: «راحلون ودمعات» و «تأملات في الرحيل». يشف العنوانان عما بداخلهما من حب ونبل وثناء ورثاء لعدد كبير من الراحلين سواء كانوا ذوي قربى، أو كانوا أعلاماً، أو زملاء درب وحرف، ويكشف عما يدفع هذا المحب من إيمان ونور وخير ينصح به أحبابه وقراءه لإزالة الظلمة والشر، وللتغلب على حرقة الفقد، وليكون ذلك هو الزاد في هذه الحياة القصيرة.

يلقي هذا الكتاب عن الراحلين الضوء على جانب مهم من شخصيته هو، شخصية الحاضر أديبنا المحب حمد القاضي.

وأضيف بدوري هنا إضاءة على جانب آخر لا يسعنا إلا الالتفات إليه بمنتهى الإعجاب، ويتجسد في رده النبيل على مقالة الدكتورة لمياء باعشن حول القناة الثقافية حيث يقول حبيبنا: «طابت أوقاتكِ، وشكراً على تفاعلكِ الجميل مع مقالي المتواضع عن « الثقافية «، لقد كان مقالك مؤطراً بأدب الحوار والاختلاف فلك امتناني، وعلم الله لم تكن في ذهني تلك الاستنتاجات التي تداعت في مقالك حول تشبيهي القناة بالمرأة، ومن يعرفني يعرف أن المرأة تحتل أعلى وأغلى مكان في عقلي وحياتي وتاج النساء عندي أمي رحمها الله. أخيراً لعلني شبهت القناة بالطفلة أكثر من تشبيهي لها بالمرأة، وإنني أقدم اعتذاري لك سيدتي ومن فهم غير مرادي، ربما لعدم توفيقي في التعبير أو التشبيه، أكرر امتناني لطرحك ولكافة طروحاتك التي أتابعها قدر ظروفي وأستفيد منها وأسعد بها، حفظك الله ومزيداً من العطاء.».

أيّ جمال روحٍ، وتواضع وترفق كهذا؟! وأيّ أدب جمّ مثل هذا؟!

لقد عرفت أستاذنا القاضي منذ سنين طويلة صادقاً محباً للناس والخير، عفيفاً نظيفاً، وما زلتُ أكتشف كل يومٍ ملامح مضيئة في سماء حبه وطيبته وخلقه الكريم.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد