Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/07/2010 G Issue 13811
الخميس 10 شعبان 1431   العدد  13811
 
الدكتور محمد الربيع السهل الممتنع..!!
خالد الخنين

 

حسناً فعلت مجلة الجزيرة الثقافية الأسبوعية حين اختصت الدكتور محمد الربيع -أحد أعلام أدبنا المعاصر بأن استكتبت مجموعة من الأقلام التي رأت أنها هي الأقدر على فعل ذلك إذ عودتنا المجلة وأسرة تحريرها موشحة بصديق الأدب والأدباء والمثقفين الدكتور إبراهيم التركي على أن تقوم بإصدار ملفات متتابعة عن كوكبة من أدباء ومثقفي هذا البلد وفي الدول العربية الأخرى.

وهذا النهج الوقائي الجميل من السنن الأدبية الرائعة حين يشكر المبدع والأديب على أعماله التي قدمها لأمته ووطنه وأسهم إسهاماً متميزاً في مجاله العلمي والفني والإبداعي.. كما أن الملف يعتبر وثيقة شاملة تؤرخ لمراحل وحياة من يتم اختيارهم.

بيد أني أعتب على المجلة خصوصية من يتم اختيارهم للكتابة، وانتقارها لعدد مكرر من الأسماء في معظم الإصدارات وليس كلها على الإطلاق، كما أن شخصية أدبية متميزة خلاقة ذات علاقات واسعة على مستوى الوطن العربي الكبير لا تتم الكتابة عنه على عجل ودون سابق إشعار أو إعلام.. وكنت أود أن يتم تناول أعماله الأدبية، ومساهماته الفكرية على مستوى أبحاث معمقة يمكن أن تصدر في كتيب فيما بعد ولكن يبقى للمجلة الأثيرة والمؤثرة دورها وسبقها ووفاؤها الذي قل نظيره في زمن انعدم فيه الوفاء.

أ/ا عن أديبنا السهل الممتنع.. في كل مناحي حياته السلوكية، والمنهجية والفكرية، والثقافية وحياته الطبيعية التي يحياها في مجتمعه وبين بني قومه، وتعامله، مع الناس كل الناس، فلا شك أنه يبقى مثار إعجاب وتقدير واحترام كل من عرفه أو قرأ له، أو استمع إليه، أو اتصل به فهو مجتمعي متواضع إلى أسمى درجات التواضع وحبيب شيق أنيس ممتع فكه كأنبل ما يكون الأنس، وشفاف ذكي لامع أديب متحدث يتقن فن الحديث حتى ليود المرؤ وهو يصغي إليه بإمعان ألا يتوقف عن الحديث.. يستطيع أن ينقلك من فن إلى آخر وأن يطوف بك في كل صنوف المعارف والثقافات ولكن بعقل العارف الواثق المحلل لكل القضايا. وهو في كل شؤونه لا يعرف الإسفاف والشتائم والضغائن، إذا حاول أحدهم النيل من شخص أو اغتيابه.

بادر بنقل الحديث إلى لون الفكاهة ثم عاد إلى عناصر الجد والبحث والإقناع الفكري والأدبي.

عرفت أديبنا وصديقنا الحبيب منذ كنا في المرحلة الإعدادية وما زال هو ذلك الفتى الممراح يدهشك بنبله وسهولته التي كان عليها والتي ما تزال تشكل حجر الزاوية في كل علاقاته بالناس والفكر والأدب وهذا النهج النقي من شوائب الحقد والضغينة هو المفتاح الأول لفهم شخصيته ولإدراك جوهره الفكري والأدبي وتبقى هذه الدهشة آسرة لكل من يعرفه كما أنك ترى الحب الصافي عملاً لا قولاً لكل ما هو خير ونبل.

لقد امتدت الصلات بيننا على مدى مراحل العمر نبتعد سنوات ثم يجمع الله الشتيتين بيد أني متتبع لكل مراحل حياته العلمية والعملية، والأدبية فيكبر الإعجاب به ويزداد وتراه الآن وهو يخطو فوق الستين محتفظاً بكل ألوان صفائه التي ما غادرته في يوم من الأيام، طالباً متفوقاً في دراسته في الجامعة، وأستاذاً محبوباً يتبارى طلابه للحفاوة به وإجلاله ومسئولاً متميزاً في الجامعة التي تخرج منها متسنماً لأعلى الوظائف فيها. مشاركاً في المؤتمرات والندوات ممثلاً لبلاده وأمته في داخل المملكة و خارجها، تستعين بخبرته المؤسسات الثقافية والمجامع العلمية والجامعات فما ولى يوماً وما كلت عزائمه إن بحث في مجال علمي أو أدبي أعطى البحث حقه من العناية والعمق المعرفي همه أن يصل إلى حقيقة الأمر وأن يوصلها للمتلقي في سهولة نادرة قل نظيرها.. يجلو حقائق الأمور والعلوم بعبارة بعيدة عن التغريب والتعقيد.. حتى ليظن سامعه أو قارئه أنه يمكن أن يجاريه في أسلوبه وما هو كذلك لا أعرف في صداقاتي لمجموعه من الأدباء والباحثين إنساناً أقدر منه على بسط المعضلات العلمية والفكرية بأسلوب عفوي جذاب أنيق كما أعرف قدرة الأستاذ الدكتور (الربيع) وهذا الأمر واضح كل الوضوح عند طلابه الذين تلقوا دروس النحو والصرف وفنون الأدب على يديه ثم هو قاسم مشترك لكل زملائه يتوددون له ويضعونه في المكانة التي يستحقها من العلم والأدب.

بودي لو نقلت جانباً من جوانب مداعباته الأدبية، والاجتماعية.. ومواقفه العلمية الصادقة والتي أعرفها عن كثب أو نقلت إلي بواسطة أصدقائه ومحبيه.. بيد أني سأكتب عنها لاحقاً بعد أن أخذ موافقة (أبي هشام) في ذلك.

إن إطلاقي السهل الممتنع على الدكتور (الربيع) أتت من مصطلح نقدي أطلقه النقاد على أدب الجاحظ، وأعجب به المستشرق بلاشير في كتابه عن الجاحظ.. وإذا كان ذلك يطلق على أدب الجاحظ فإن إطلاقه على كل جوانب الدكتور (الربيع) هو أدق وصفاً وأقرب إلى الحقيقة إذ أن هذه الصفة هي التي امتاز بها طوال حياته وحتى الآن، وكنت أتلمسها فيه، وكان من نتائجها أنه كان وما زال يندفع إلى السمو والمكانة وهو يريد أن يدفع أصدقاءه إلى الارتقاء في مدارج الأدب، مد الله في عمره، وحفظ بصره كما حفظ بصيرته وهنيئاً لنا أصدقاؤه ومحبيه بصحبته الرائعة التي خلت من كل زيف، وسلام على أبي هشام أديباً، وباحث مجلياً، وصديقاً.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد