Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/07/2010 G Issue 13811
الخميس 10 شعبان 1431   العدد  13811
 
عن (القيمة) وتقديراتها..!
فيصل أكرم

 

في زاويته الخميسية بجريدة عكاظ، كتب الشاعر الصديق أحمد عائل فقيهي مقالاً عنوانه (القيمة.. في مواجهة الجهل المؤسس)، استعرض فيه وجهة نظره حول (القيمة) في مقابل (الجهل بالقيمة) من جهة، ومن جهة ثانية (انعدام القيمة) وفي مقابلها (الجهل بانعدامها)!

المقالة كانت جميلة، غير أني سأبين اختلافي مع (قيمتها!) بعد قليل..

وفي مقالتها المعنونة (كشف حساب ثقافي) بجريدة الجزيرة ملحق الخميس الماضي (الثقافي)، كتبت الناقدة سهام القحطاني: (لدينا دائماً مشكلة، وهي تعميم ما تعتقده ذواتنا، فعندما لا أقرأ لكاتب ما أتصور أنَّ الجميع لا يقرؤون له، وعندما لا أفهم ما يكتبه أتوقع أنَّ الجميع لا يفهمونه، وهذا غير صحيح في الغالب، ليس لأنَّه يفتقد الدليل الإحصائي فقط، بل لأنَّ ليس من الضروري أن يتفق معي الآخرون في ما أعتقد ولا أعتقد، ولو أنَّ كلاً منَّا ترك هامشاً في مساحة رأيه للرأي المختلف ما وقعنا في فخ التعميم).

أعود الآن لرأي الصديق أحمد حول (القيمة)، ففي مقالته أجده يؤكد أنَّ ثمَّة (قيمة) وهي إن وُجدتْ فهي (القمّة) التي يجب احترامها، وفي المقابل ثمَّة (لا قيمة) وهي إن وُجدتْ – أيضاً – فهي دون كل شيء ويجب استبعادها عن كل شيء..!

أجده كذلك يكرر في مقالته عبارة (السطحية) أو (التسطيح) على اعتبار ذلك (لا قيمة له)، وهذا جانبٌ أختلف معه حوله، إذ أرى للسطح، دائماً، قيمة رفيعة تظهر للعيان؛ على عكس (العمق) أو (التعمُّق)، فهو الذي لا يصل إليه إلاَّ من يبحث عن شيء يمثل (قضية) بالنسبة له!

كذلك لم يتطرق صديقي، مدير تحرير صحيفة عكاظ، أحمد عائل فقيهي في مقالته المعنية بالقيمة عن ماهية القيمة.. وسأكون أكثر حدة وأقول: لقد قتل المعنى المتميز للقيمة بمقالته عن الجهل بالقيمة..!

نعم هو كذلك، فحين أتعامل مع (القيمة) وكأنَّها شيء معروف ومحددٌ كأن أقول (الشمس) أو (القمر) فهذا غبنٌ وتدليس - عفواً للكلمتين، فلم أجد بديلاً عنهما - لأن (القيمة) ليست شيئاً محدداً، إنَّما هي تحديد للقدْر الذي يمثله شيءٌ معينٌ في موضع معيّن..

كما أنَّنا لا نستطيع التعامل مع (القيمة) مجازاً كما نتعامل مع (المال) كأن نقول: هذا عنده مال وهذا لا مال عنده، فوجود المال يعني الوفرة التي يمتلكها هذا ولا يمتلكها ذاك، أما وجود القيمة فيعني تقديرك أنت لأنَّك من يرى القيمة في هذا ولا يراها في ذاك!

وسأستشهد بالمقولة الشهيرة لأستاذي المرحوم د. مصطفى محمود: (قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين لحظتي ميلاده وموته)..

وبالتالي، فالمعنى الذي أود الوصول إليه هو أنَّ القيمة (نسبية) وقد تكون بالسالب أو الموجب، أما أن تكون غير موجودة فهذا يعني أنَّ الإنسان لم يوجد بعد، فالحديث هنا عن القيمة (المحققة) وليست (الموروثة).. وكما الحال بالنسبة لتقييم الناس هو الحال بالنسبة لتقييم المنجزات - أو الإضافات.. أو المراحل.. وكنتُ كتبتُ قبل أكثر من عشر سنين، في الصفحة الأخيرة لمجلة (المنهل) مقالاً عنوانه (عن قيمة المرحلة)، شرحتُ فيه ما أريده بطريقة أخرى، لا أريد تكرارها هنا..

أمَّا عن الأسطر التي استقطعتها من مقالة الزميلة الأستاذة سهام القحطاني، فهي أبلغ معنىً على أنَّ لا أحد يحقُّ له تقييم المعاني.. فأنت تستطيع أن تقيِّم (مادياً) بالإحصاء، مثلاً، أمَّا (معنوياً) أو (أدبياً - ثقافياً) فأنت تضع القيمة التي ترى أنَّ هذا المنجز يستحقها وغيرك يضع قيمة أخرى، ولكن من يرى أنَّ (لا قيمة) هنا أو هناك فهو كمن ينكر قدرته على رؤية أو تلمُّس ما هو موجود أمام عينيه وبين يديه، فلكل ذرةٍ منجزةٍ قيمة، وقد تكون القيمة عظيمة وقد تكون ساقطة..

و(الثقافة) التي تعنينا (قيمتها) في كل ذلك، إنَّما هي (ثقافات) متفرِّعة ومتباينة، فلكل منَّا أن يضع القيمة التي يريد تقديمها لمنجز ما، لا كتقييم لما يستحقه ذلك المنجز، إنَّما كتقييم لفراغ ملأه ذلك المنجز في تكوينه الثقافي..

أمَّا إن كنَّا سنأخذ (القيمة) على اعتبار ما سيبقى في (الذاكرة) و(التاريخ)، فهذا الأخذ سيأخذنا إلى التساؤل عن (قيمة الذاكرة والتاريخ)، وهل هي متساوية في التقدير عند الجميع؟!

فكثيرٌ من الناس أضافوا إلى الحياة والكون إضافات هائلة ولم يشعر بهم أحدٌ، بينما الكثير ممن خلَّدهم التاريخ في الذاكرة لم يضيفوا أيَّ شيء يساوي ما أخذوه من الحياة والكون!

مع اعتذاري لأخذ مقالتيْ الأستاذ أحمد والأستاذة سهام إلى طرحٍ ربَّما لم يكن أساسياً في المقالتين، بل إنَّه لا يوجد رابط بين الطرحين.. إنَّما هو جانبٌ أخذته من هنا وهناك لأبني عليه ما وددتُ قوله وحسب..



ffnff69@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد