من المعلوم أن عقود التأجير تأخذ حيزاً كبيراً من حياتنا العملية، سواءً في الأراضي أو المساكن أو المحلات التجارية والمستودعات، وهذا تفرضه النهضة العمرانية والتجارية التي تشهدها المملكة - ولله الحمد -.
وسأقتصر في حديثي على تأجير المساكن من فلل أو أدوار أو شقق، لأنها الأكثر من حيث النسبة والمستأجر فيها غارم وليس غانم، وهي الأكثر تعرضاً لجشع وطمع الملاك، ولأن أكثر المستأجرين ممن هم حديثي عهد بالزواج من الشباب الذين تحملوا تكاليف الزواج وهم السكن.
يحز في النفس حين ترى موظفاً في المراتب الدنيا (من ذوي الدخل المحدود) ويعول عائلة، أو شاباً في أول طريق حياته الزوجية وقد حمل نفسه بالديون ليدفع عنه ظلم ذلك المؤجر الذي يستغل ضعفه وقلة حيلته بالزيادة في الإيجار كل سنة دون حسيب أو رقيب تحت العبارة المشهورة (جايز لك وإلا اطلع) فيضع هذا المسكين بين خيارين أحلاهما مر، لا سيما إذا كان قد عمل في هذا السكن شيئاً من التحسينات التي كلفته مادياً ونفسياً، إذ كيف يخلي السكن بعد سنة واحدة فقط وبعد هذه التحسينات، فيجلس يفكر طويلاً هل يخرج أو يبقى ويتحمل الزيادة الظالمة، والأرجح أنه يبقى ويتحمل هذه الزيادة لعلمه ما يترتب على خروجه من عناء ومصاريف أخرى، وإذا اختار البقاء بدأ يفكر في هم السنة القادمة وما تحمله من زيادة جديدة.
إني أتمنى من المسؤولين ذوي الاختصاص أن يبادروا بإصدار نظام أو لائحة تضبط إيجار المساكن خاصة، فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولا يترك الأمر في يد صاحب العقار وطمعه واستغلاله لحاجة المستأجرين، وكذلك يشمل النظام حقوق المؤجر في تحصيل الأجرة، فبعض الملاك يتعرضون لمماطلة المستأجر في دفع الأجرة أو عدم الدفع مما يخلق النزاع والخصومة بينهما. وأحياناً يرفض المستأجر دفع الأجرة والخروج من العقار، مما يجعل المؤجر في حيرة من أمره ويضطر للشكوى ويدخل في قضايا قد تطول.
إن وجود نظام يحكم عقود الإيجار للطرفين سيحقق التوازن في المجتمع، ويحفظ للناس حقوقهم، بدل كون الأمر متروكاً للأهواء الشخصية.
إذ كيف يعقل أن يصل إيجار شقة صغيرة (120 م2) إلى ثلاثين ألف ريال في السنة الواحدة قابلة للزيادة لا النقص. والواقع يشهد لذلك.
لقد عانى كثير من المستأجرين مغبة الغلاء في الإيجار لسنوات طويلة وهم ينتظرون الفرج من الله ثم من مبادرة المسؤولين بوضع هذا النظام الذي يحقق المصلحة العامة، ويحد من جشع وطمع أصحاب العقار.
ويمكن أن يشمل هذا النظام: تحديد الأجرة تبعاً للمساحة وجودة التشطيب وموقع العقار، والمنع من الزيادة لمدة ثلاث سنوات على الأقل، وفي حال الرغبة في الزيادة لمبرر مرضي تكون بنسبة من الإيجار محددة وثابتة حتى لا تخضع لهوى المالك، إلى غير ذلك من البنود المهمة التي تمس الحاجة إليها.
نتمنى أن يصدر ذلك قريباً ليهنأ الجميع.
المعهد العالي للقضاء
dr-alhomoud@hotmail.com