Al Jazirah NewsPaper Monday  19/07/2010 G Issue 13808
الأثنين 07 شعبان 1431   العدد  13808
 

دفق قلم
فضاء الإسلام الفسيح والحزبية الضيقة
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

الدين الإسلامي أفق مضيء يكتنف الحياة كلها، وفضاء فسيح تحلق فيه العقول والأرواح كما تشاء، والمسلم الحق هو الذي يحسن السير في هذا الفضاء، ويجيد التحليق في آفاقه الفسيحة بعيداً عن ضيق الأفق، والتحزب، والتعصب، والمذهبية المتطرفة، والتقوقع على النفس، والدخول في مغارات الشبهات، وسراديب الهوى والشهوات.

المسلم الحق هو الذي يدرك أن دينه شامل كامل، صالح لكل زمان، ومكان، فهو كما قال محمد إقبال - رحمه الله - (إنما المسلم كون تاهت الأكوان فيه) لأنه بإيمانه ويقينه، وعلاقته بربه سبحانه وتعالى لا يعرف الزوايا الحادة التي تحول بينه وبين الرؤية الفسيحة لما يجري في هذه الحياة. إن المسلم الذي يستشعر عالمية دينه، ينطلق بروح وثابة إلى آفاق الدنيا، حاملاً معه رؤيته الإسلامية الثاقبة، قادراً بفقهه ومعرفته بدينه على التعامل الواعي مع الناس جميعاً، على اختلاف مذاهبهم، ومشاربهم الثقافية، واتجاهاتهم الفكرية، وهو في ذلك منطلق على فطرته وسجيته لا يتكلف، ولا يضطرب، ولا يحابي أحداً على حساب ما يؤمن به من مبادئ دينه الحنيف.

سألني بعضهم مستفهماً: هنالك من يقول: إنك تنتمي إلى بعض الأحزاب أو الجماعات الإسلامية المعروفة في هذا العصر، فهل هذا صحيح؟

قلت لهم: أذكركم بجواب الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - على مثل هذا السؤال: فقد أجاب بكلام طويل جاء في معناه: إنني لا أستطيع أن أكون محصوراً في دائرة جماعة بعينها، أو حزب بعينه، وليس ذلك مما يناسب شخصيتي، ولست مقتنعاً بوضع نفسي وفكري وأدبي في إطار محدد، ولماذا أضيق على نفسي وأمامي فضاء فسيح هو «الإسلام» بمنهجه الذي يتسع للحياة كلها.

هذا الجواب من الشيخ علي الطنطاوي، هو جوابي عن سؤالكم، فأنا أنتمي إلى الإسلام معتقداً وفكراً وأدباً وثقافة وحياة عامة، كما ينتمي إليه مئات الملايين من المسلمين في العالم، أسأل الله أن يثبتنا على ذلك ويميتنا عليه أجمعين.

أما من يتجرأ من الناس على تصنيفي - دون علم - فإنني أقابله بالعفو وأنصحه بمراجعة نفسه.

إن الأساليب المنتشرة من القول بغير علم، والجرأة على إطلاق الأحكام بدون توثيق، والنيل من الأشخاص اعتماداً على عبارات تتطاير كالهباء، تعد مشكلة من أخطر المشكلات التي يعاني منها عالمنا الإسلامي المعاصر، لأنها من باب الحديث بدون علم ولا توثيق، وهذا الباب لا يدخل منه إلا الغبار والجراثيم التي تنشر أمراض الخلافات، والمشاتمات، والجدل العقيم، وقد حذرنا ديننا من ذلك في كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم بنصوص كثيرة معروفة، والمسلم الذي ينساق وراء الأقاويل والادعاءات دون تثبُّت يضع نفسه في موضع الإثم، ويعرض نفسه لعقاب الله، فكفى بالمسلم إثماً أن يحدث بكل ما سمع.

وأقول استكمالاً للجواب عن السؤال السابق: إنما أنا مناصر للحق الذي أراه ظاهراً بارزاً وفق شرعنا الحكيم، مهما كان مصدره، فقد تعلمنا من ديننا أن ندور مع الحق أنى دار، وأن نقول الحق ولو على أنفسنا - على قدر جهدنا وطاقتنا - وأن يكون رضا الله سبحانه وتعالى هو غايتنا، ووجهة نظري التي أقتنع بها أن المسلم في غنىً عن الحزبية الضيقة، والمذهبية الخانقة، وماذا يريد من ذلك ولديه فضاء الإسلام الفسيح، وأفقه الواسع، وهي وجهة نظر معلومة عند من يتعاملون معي منذ بدأت أخوض غمار الثقافة والأدب، وهي لا تحول بيني وبين تأييد ما أراه من حق، والإشادة بما أطَّلع عليه من صواب، والمناصرة لكل من أؤمن بأنه مظلوم مهضوم من قريب أو بعيد، فلكل مسلم عليَّ حقٌ فيما أستطيع من قول أو عمل، وهذا الحق قد يكون نصيحة أقدمها وأقبلها إذا قدمت إليّ أو سعياً في مصلحة أكون قادراً على السعي لتحقيقها، أو نقداً بناءً يصحح خطأً، ويقوّم معوجاً، أو إشادة بموقف جليل يستحق أن يشاد به، وهل حياة المسلم إلا مزيجاً من هذه الرؤية الشاملة، واليقين الراسخ، وسلامة النيَّة والقصد.

لقد تركنا الرسول صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك، فما أحوجنا إلى أن تتضافر جهودنا جميعاً لنشر أنوار هذه المحجة في آفاق الدنيا، بعيداً عن سوء الظن، وضيق العَطَن، والأهواء الشخصية التي ما استحكمت في شخص، عالم أو غير عالم، إلا دمرته، وأثقلته بالهم والغم والإثم.

إشارة:

أنا مسلم للكون في خَلَدي

معنىً فلا يأسٌ ولا دَغَلُ

عيني إلى العلياءِ ناظرةٌ

وفمي بذكر الله يبتهلُ

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد