Al Jazirah NewsPaper Monday  19/07/2010 G Issue 13808
الأثنين 07 شعبان 1431   العدد  13808
 
جهود الحماية المريبة
آتشيم شتاينر

 

إذا تصادف أنك من فصيلة سمندل الماء الأرقط ويطلق عليك مسمى «القيصر الإيراني»، فهذا يعني أن أحوالك ربما أصبحت في تحسن ملموس. ففي الاجتماع الذي عقد مؤخراً في الدوحة في إطار المعاهدة الدولية للتجارة في الأنواع المهددة بالانقراض (CITES) صوتت الحكومات المشاركة لصالح فرض حظر على المتاجرة بالقيصر الإيراني، إلى جانب فرض تدابير حماية أكثر صرامة لمجموعة من الكائنات الحية البرية.

ولكن إن كنت تنتمي إلى فصيلة التونة زرقاء الزعنفة وتعيش في غرب الأطلسي، فمن المؤكد أن مزاجك سوف يكون أكثر تشاؤماً. والقصة مماثلة بالنسبة للعديد من أنواع سمك القرش، بما في ذلك القرش ذي الأنف الأبيض الذي يعيش في المحيط، وقرش رأس المطرقة، وقرش كلب البحر الشوكي. وعلى الرغم من الأدلة العلمية القوية التي تؤكد الانحدار الحاد في أعداد الأنواع الثلاثة من سمك القرش، فإن كل الاقتراحات التي طرحت بفرض ضوابط تجارية أكثر صرامة في التعامل مع هذه الأنواع البحرية - إلى جانب أكثر من ثلاثين نوعاً من المرجان - فشلت في تأمين أغلبية الثلثين اللازمة.

وفي حالة سلالة غرب الأطلنطي من سمك التونة زرقاء الزعنفة، فإن العديد من البلدان تزعم أن الهيئة الإدارية الحالية - اللجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة (ICCAT) - هي الأفضل قدرة على إدارة هذه السلالة. بيد أن هذا لم يكن مقنعاً بالنسبة للآخرين الذين يقترحون فرض قواعد تجارية أكثر صرامة - ولسبب وجيه.

لقد انحدرت أعداد هذا النوع القيم من الأسماك بنسبة تصل إلى 80% منذ فجر الصيد الصناعي، والواقع أن اللجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة مهتمة بهذا الأمر. وفي حالة أسماك القرش وأسماك الشفنين، فقد أظهرت دراسة مسح حديثة أن ما يقرب من ثلث الأنواع الأربعة والستين التي تعيش في المحيطات من هذه الأسماك أصبح على وشك الانقراض.ويرتبط هذا الانحدار بالصيد الجائر لنوع آخر كان شائعاً ذات يوم. على سبيل المثال، أصبح قرش كلب البحر بديلاً جزئياً لسمك القد في العديد من متاجر ومطاعم الأسماك الأوروبية. وتعاني أسماك القرش أيضاً من الارتفاع السريع في الطلب على حساء زعانف القرش، الذي يعتبر طعاماً شهياً في العديد من بلدان آسيا.

بيد أن إنقاذ الأنواع المعرضة لخطر الانقراض والأنواع التي أوشكت على الانقراض بالفعل لا يتعلق بمسألة الحماية فسحب؛ بل إن الأمر يتعلق أيضاً بالدفاع عن أرزاق الملايين من البشر، والتي تعتمد بصورة أساسية على صحة المحيطات. لقد أصبحت البيئة البحرية اليوم تحت الحصار حقا. فحين أبحر المستكشف جون كابوت قبالة ساحل نيوفاوندلاند قبل أكثر من خمسمائة عام، كانت الأسراب الكثيفة الضخمة من أسماك القد تتسبب في إبطاء سفنه؛ وكان بوسع أطقم العاملين على هذه السفن أن ينزلوا الدلاء إلى جوانب السفن لكي تمتلئ بالسمك.

ولكن بحلول عام 1992 كان الصيد الجائر قد أرغم السلطات على إغلاق هذه المصائد التي كانت تعج بالأسماك ذات يوم، وعلى الرغم من كل الجهود التي بذلت فإن منطقة جراند بانكس في نيوفاوندلاند لم تتمكن من استعادة عافيتها قط. وعلى نحو مماثل، أدى الصيد الجائر لأسماك القرش في الكاريبي إلى ارتفاع أعداد الإخطبوط وانخفاض حاد في أعداد جراد البحر الشوكي والأسقلوب (محار مروحي الشكل) - علماً بأن هذين النوعين يشكلان مصدراً رئيسياً للدخل في المجتمعات الساحلية المجاورة.

لذا فإن كانت الحكومات راغبة في تفعيل واحترام الاتفاقيات القائمة، فلابد وأن تبدأ في العمل على أساس من العلم الواقعي والأرقام الحقيقية. على سبيل المثال، وفيما يتصل بأسماك القرش، فإن العقوبات المفروضة حالياً على «إزالة الزعانف» تحت رعاية منظمات إدارة مصائد الأسماك الإقليمية لابد وأن تفعَّل وأن تكون مدعومة من قِبَل نظام مستقل يفرض تواجد مراقبين على متن سفن الصيد من أجل ضمان الامتثال للقواعد. ولابد فضلاً عن ذلك من وضع خطة عمل للحفاظ على أسماك القرش، بما في ذلك تعيين حد أقصى للصيد. ولابد أيضاً من الاستعانة بطرق الصيد الصحيحة التي لا تسمح إلا باصطياد الأنواع المستهدفة، مع ضرورة إعادة الأنواع الأخرى التي يتم اصطيادها عرضياً إلى البحر على قيد الحياة.

ولابد من تطبيق اتفاقيات الحماية كلما فشلت الاتفاقيات الخاصة بمصائد الأسماك في تلبية الغرض منها. فلا تعارض بين النظامين، بل إن كلاً منهما يكمل الآخر.وفي حالة التونة زرقاء الزعنفة في غرب الأطلسي، فقد عادت الكرة الآن إلى ملعب اللجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة. ويتعين على الحكومات التي تدعم خيار اللجنة الدولية للحفاظ على أسماك التونة أن تثبت الآن أنها قادرة على الاضطلاع بهذه المهمة. وأمام هذه الحكومات ثلاثة أعوام من الآن لتنفيذ المهمة، قبل اجتماع مراجعة المعاهدة الدولية للتجارة في الأنواع المهددة بالانقراض، والمقرر انعقاده في تايلاند. وإذا لم يبدأ العمل الجاد ولم تتحسن الأوضاع فيتعين على الحكومات أن تمنح المعاهدة الدولية للتجارة في الأنواع المهددة بالانقراض، وغيرها من اتفاقيات التجارة والحماية الراسخة، الفرصة لإنقاذ هذه الأنواع من المحنة التي تعيشها الآن.

لقد أصبحت التونة زرقاء الزعنفة على وشك الانقراض على المستوى التجاري، إن لم يكن الانقراض التام، وهذه حال مجموعة كبيرة من الأنواع البحرية التي تشكل أهمية بالغة على المستوين الاقتصادي والبيئي. وهذه الأنواع تسبح الآن في بحيرة الفرصة الأخيرة. ولكن هذه أيضاً حال المنظمات التي أشرفت على هذه الانحدار المروع للعديد من مصائد الأسماك الطبيعية وتركت البيئة البحرية التي كانت زاخرة بالحياة ذات يوم - وأرواح وأرزاق العديد من صيادي الأسماك - في حالة يرثى لها من التدهور والخراب.

آتشيم شتاينر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج البيئة التابع للأمم المتحدة (UNEP)
خاص ب(الجزيرة)


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد