Al Jazirah NewsPaper Monday  19/07/2010 G Issue 13808
الأثنين 07 شعبان 1431   العدد  13808
 
عزلة الدولة الصهيونية
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

كثيراً ما تحدث المتحدثون في وسائل الإعلام؛ وبخاصة في ميدان الصحافة اليومية، عن عزلة الدولة الصهيونية. ومن هؤلاء من انخدعوا باستنكارات لمواقفها الإجرامية.....

....قام بها أفراد غمرت قلوبهم مشاعر إنسانية، فوقفوا مع الحق ضد الظلم والجور، أو بألفاظ جوفاء أطلقها ساسة هنا أو هناك في بلدان غربية. ومن أولئك المتحدثين عن عزلة الدولة الصهيونية ومن هم غير منخدعين بما ذكر؛ بل جاء حديثهم محاولة لتهدئة العواطف، ومن ثم للحيلولة دون تنامي تلك العواطف وتحولها إلى يقظة إيجابية.

أذكر أن كتابات ظهرت في العقد السادس من القرن الميلادي الماضي مركزة على مقولة رُوِّج لها كل الترويج؛ وهي: «الزمن ليس في صالح الكيان الصهيوني». ووقعت الواقعة متمثلة في الهزيمة التي سُميت نكسة عام 1967م. وبعد تلك الهزيمة، أو النكسة ظهرت كتابات لكتَّاب من أمثال محمد حسنين هيكل - وهو من هو (...) اطلاعاً ومقدرة وتأثيراً - يفهم من كتابتهم الدعوة إلى عدم مقاومة العدو، أو تأجيل المقاومة على الأقل، لأن الفارق كبير بين من لديه الصاروخ ومن لا يملك إلا السيف. وكان في ذلك ما فيه من تجنٍّ على الحقيقة وإن كان ظاهر العبارة المقولة برَّاقاً؛ وذلك لعدة أسباب. أولها ما ذكره العالم العسكري الكفء، محمد شيث خطاب، رحمه الله رحمة واسعة؛ وهو أن من أسباب ما حدث عدم التهيؤ والإعداد اللازمين قبل المجابهة العسكرية، والفشل الذريع في التصرف حين حدوثها. وثاني تلك الأسباب أن العرب كانوا يملكون أسلحة جيدة - لا سيوفاً -، لكن تلك الأسلحة لم تُستعمل الاستعمال اللائق عسكرياً. بل إن سلاح الطيران على إحدى الجبهات؛ وهو من الأسلحة المهمة جداً، كان المهيؤون لاستخدامه غارقين في نومهم - رغم كل النذر - حتى ضُربت الطائرات وهي على مدرجات مطاراتها.

وللحقيقة والواقع لابد من ذكر أنه كانت توجد قيادات عربية عظيمة لديها إرادة لم تثنها الهزيمة الساحقة، فاتخذت ما اتخذت من قرارات في مؤتمر الخرطوم المشهور الذي عقد بعد تلك الهزيمة. وكان وجود تلك القيادات هو العامل الرئيس في قيام عدد من الدول بقطع علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وفي صدور بيان من الأمم المتحدة يصف الصهيونية بالعنصرية. ولو قيل حينذاك: إن هناك عزلة للكيان الصهيوني لكان في القول وجه من وجوه الحقيقة.

ثم دارت الأيام دورتها، وغابت تلك القيادات العربية العظيمة عن مسرح الأحداث لينقلب ما تقرر في مؤتمر الخرطوم رأسا على عقب، وتستعيد الدول التي قطعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني إلى إعادة تلك العلاقات. ليس هذا فحسب؛ بل إن دولاً عربية أقامت علاقات مع ذلك الكيان أيضاً. أما وصف الصهيونية بالعنصرية فصدر من الأمم المتحدة ما يلغيه؛ وذلك بفضل أمريكا. ومع كل ذلك فما زال هناك من الكتاب من يقولون: إن الدولة الصهيونية أصبحت معزولة. وكان مما دعا إلى ذلك القول ردود الفعل التي بدت في بلدان عديدة للجريمة التي ارتكبها قادة الصهاينة في غزة وأهلها في العام الماضي؛ وهي ما كان من نتائجها تقرير جولدستون المعروف، وما ارتكبوه ضد أسطول الحرية؛ لا سيما قتل المواطنين الأتراك على ظهر سفينة مرمرة في أعياد الدولية.

وللمرء أن يسأل ما أهمية ذلك كله بالنسبة للكيان الصهيوني؟ لقد أجاب عن هذا السؤال قبل عقود من الآن مجرم الحرب (موشي دايان) عندما قال: لا يهمنا العالم كله ما دامت أمريكا معنا. والمؤلم أن كلامه ينطوي على شيء من الحقيقة. فقادة هذه الدولة المتجبِّرة المقرّرة ما يجوز وما لا يجوز على العالم، المتحكمة في مجريات كثير من الأمور الدولية، لا يمكن إلا أن يكونوا مع الكيان الصهيوني. منهم من يقف معه نتيجة تصهين واضح. ومنهم من يقف معه نتيجة خوف من سطوة اللوبي الصهيوني داخل أمريكا، أو رجاء في مساندة هذا اللوبي له في الانتخابات. أما المتصهينون فأمرهم لا يحتاج إلى دليل. وأما الآخرون فمن الأدلة على وضعهم الموجَّه لمواقفهم أن الإدارة الأمريكية الحاضرة لم تستطع أن تبقى متمسكة بما أعلنته سابقاً. كانت هذه الإدارة تعلن معارضتها للتوسع الاستيطاني؛ سواء ببناء مستعمرات جديدة أو بتوسيع ما كان موجوداً منها. لكنها تراجعت عما سبق أن أعلنته بالنسبة لهذا الموضوع. ومع أن كثيراً من الدول - بما في ذلك دول أوروبية - قد أدانت ما ارتكبه الكيان الصهيوني من جريمة بشعة تجاه أسطول الحرية فإن نائب الرئيس الأمريكي قال: إن ما قامت به إسرائيل كان من حقها وإنه دفاع عن النفس. ولقد عاد رئيس وزراء الكيان الصهيوني، نتانياهو، من لقائه بالرئيس الأمريكي نفسه وكل الدلائل تشير إلى أنه أعطي الإشارة الخضراء بأن يواصل مخططاته تجاه تهويد القدس وغيرها من المناطق المحتلة عام 1967م.

عندما يقال عن دولة: إنها معزولة فإن هذا القول يصح لو كان دولة غير الدولة الصهيونية، التي لا ترى أهمية حقيقية لأي موقف ضدها وإن كان من منظمات دولية ما دامت أمريكا معها. أمريكا لها الكلمة النهائية في مجريات السياسات الدولية، وللصهاينة وسائلهم الخاصة الفعالة في جعل هذه الدولة العظمى لا تخرج عما يتمنونه ويريدونه.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد