لنتجاوز حسابات الدول؛ لأنها حسابات سياسية آنية ومؤقتة، ولا علاقة لها أحياناً بترتيبات وأحكام المستقبل البعيد. تحالفات الدول تجمع أحياناً أعداء تاريخيين، وهم يعرفون أنه زواج مؤقت بنية الطلاق، ويعرفون أنه يحقِّق مصلحة ظرفية يرجون ألا يترتب عليها مصيبة كبرى في المستقبل. لكن مصائب المستقبل يمكن أن تحصل، وها هي تحصل، والعراق الممزَّق أمامنا ها نحن نراه طريحاً، ونشم دماء أهله كل يوم.
المنافسون التاريخيون للحضارة العربية تجمَّعوا اليوم كلهم على أرض العراق: الروم والفرس والترك، وكلهم يبحث له عن غنيمة ينهبها من العراق ويضيفها إلى ممتلكاته، كلهم هناك إلا العرب؛ فهم غائبون. أنتم تعرفون ما هو العراق، وماذا يعني في التكوين العربي جسداً وروحاً؛ ولذلك أفترض أنه يهمكم أن نبحث عن إجابات عن الأسئلة الآتية:
السؤال الأول: هل تكفي الرغبة في تصفية حسابات الدول العربية مع النظام العراقي السابق لتجاهل الجرائم والفظاعات الواقعة اليوم على شعب العراق وجغرافيا العراق؟
السؤال الثاني: هل تعتقد الدول العربية أن اقتسام العراق بين الروم والفرس والترك سوف يتوقف عند حدود ما كان يُسمَّى بالعراق؟
السؤال الثالث: هل تحسب الدول العربية أن تاريخ صعود وسقوط الحضارات لن يذكرها بمسؤولياتها وبمستقبل الأرض والمياه والثروات ومكونات اللحمة العرقية الواحدة؟..
أعرف أنه لا توجد حكومة عربية واحدة ليس لها حسابات تريد تصفيتها مع نظام الحُكْم السابق في العراق. لا بأس، ولكن ذلك أصبح من الماضي، أما الآن، وقد سقط ذلك النظام على يد الغزاة الأجانب، ماذا عن العراق نفسه وأهله؟ أقول بصيغة التأكيد وليس الافتراض: إنَّ سقوط العراق وشطبه من الجسد العربي (كدولة قوية وعُمْق استراتيجي ومصدر مياه محتمل للمستقبل) لن يقفا بنتائجهما عند الحدود العراقية.
إنَّ سقوط العراق واستباحة أرضه وصمت إخوة الدين والدم واللغة تجعل بالمنطق التاريخي شعوب المنطقة أضعف وأسهل اجتياحاً. حالياً لا يأمل المواطن العربي بالكثير، ولا بالنداء والنفير.. إنه يأمل فقط بكسر حاجز الصمت والنطق ببضع كلمات تبعث الأمل في المستقبل وحسابات المستقبل.