|
عندما تُلهب نار الشوق قلب المحب الشاعر ترتفع درجة حرارة الأحاسيس ويفوح عطر العروق المملوءة بالوجد ويتداعى العاشق تلقائيا طيعا تذيبه همسة وتشعله ذكرى يتسرب نداه في أودية الروح لتورق أغصانه وتخضّر رياض مشاعره وتتفتق براعم الشعر وتكبر في وقت قياسي ليقطفها المتلقي ويشم رائحتها العذبة برغم أنها كانت نتيجة احتراق روح بجمرة شوق.
|
ما أصعب دموع الرجال إلا في مثل حال البحتري وهو ينقل لنا حالة من الصدق مع النفس
|
شَوْقٌ إلَيكِ، تَفيضُ منهُ الأدمُعُ، |
وَجَوى عَلَيكِ، تَضِيقُ منهُ الأضلعُ |
وَهَوى تُجَدّدُهُ اللّيَالي، كُلّمَا |
قَدُمتْ، وتُرْجعُهُ السّنُونَ، فيرْجعُ |
الله ما أجمل هذه الصورة عن الشوق في البيت التالي لبشار بن برد لِمَ لا وهو أحد سادة التصوير المذهل!
|
ماء الصبابة نار الشوق تحدره |
فَهَل سمعتْم بماءٍ فاض من نار |
ما أعذب الشوق الذي يدفع بشاعر مثل (الخبز ارزي) أن يتفجر بمثل هذا الجمال الناتج عن بركان سالت حممه في روح الشاعر وأنبتت شعرا بهذه الروعة:
|
قلبٌ تمكَّنَ فيه الشوق فاحترقا |
ومقلةٌ بُدِّلت من نومها أرَقا |
للحبِّ نارٌ على الأكباد مُشعَلةٌ |
لو أُشعِلَت في ضرام النار لاحترقا |
كم عَبرةٍ مزجت دمعي حرارتُها |
بماء قلبي فصارت عبرتي عَلَقا |
أمّا الهوى فقد استولى على كبدي |
وسوف يسلبني من مهجتي رَمَقا |
وهنا حالة من البهاء والضياء وشمس الفرح فبرغم أن للشوق نارا تصطلي بها الضلوع فقد يحدث حالة من السعادة كما في هذين البيتين ل(ابن أبي الصلت):
|
لم يدعني الشوق إلا اقتادني طربا |
ولم يدع لي في غير الصبا أربا |
وذو العلاقة من لج الغرام به |
وكلما ليم أو سيم النزوع أبى |
لقلب العاشق لغة تختلف عن ما تلقيناه على مقاعد الدراسة، لغة قد تحيل الظلام مدينة من النور والحرمان جنة من السعادة والقسوة لها ما يبررها وما يمنحها حالة من القبول كما في أبيات الأمير بدر بن عبد المحسن:
|
ذلني الشوق يالقاسي اللطيف |
ولحظة الوصل.. من صدك تخاف |
أنا قلبي.. جناحٍ له رفيف |
يتبع الشمس في الريح الصلاف |
للوعد جيت من لون الخريف |
وللوعد جيت من طعم الجفاف |
ومر في ساعتي وقت ونزيف |
ومر في خاطري حزن وزفاف |
رقة الشاعر تمنعه عادة من تمني غير السعادة للغير إلا أنها اختلفت هنا مع راشد بن جعيثن حين تمنى لمن يحب أن يجرب شقاء الحب ليقتسما الشوق وعنها سيطمئن إلى عدله وأنصافه:
|
لو الشقا بيني وبينك قسمته |
قاسيت ماقاسيت من ثاير الشوق |
وأما جرحت القلب والا رحمته |
وإلا جهلت أسرار عاشق ومعشوق |
لقد صدق عبد الله العليوي في رسم حالة الشوق التي مر بها فقد يشعل الشوق من لا يعي مدى الألم الذي أحدثه في قلب محبه:
|
من شب نار الشوق ياشوق ماصاح |
واللي وطاها يشرح الجيب ويصيح |
لولا الغلا ما هانت النفس ياصاح |
محبتي لك ما وراها مصاليح |
قد تأخذ المحب مشاغل الحياة ويغفل قليلا عن نار يظن أنها قد خمدت إلى أن يأتي من يذكيها لتحيا وتذكّر وتدفع بالصبر إلى التداعي والتشظي والانهيار كما في بيتي تركي الميزاني:
|
يسوقني طاريك لمشاهدك شوق |
واشفق على لمسة يدينك اشفاقه |
والصبر زين وكل مطرود ملحوق |
شرهة قدم رجلي على عظم ساقه |
عندما يكون الشوق مقسوما وموزعا بالعدل بين قلبين فذلك قمة الهناء كما في حال عبد الله ذويبان:
|
الله يديم الثلاث اللي بفقدك صبروني |
حاجتي لك وارتباطي فيك والشوق الجماعي |
كنهم في رحلتي هذي يبون يوزعوني |
بس عادي لا يهمك وانت في يدك اجتماعي |
|