يروى عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه المقولة التالية: «إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» وقيل: إنها لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأي كان قائلها، فإنها مقولة يصدق عليها الكثير من الشواهد، وينطبق عليها الكثير من الوقائع والأحداث والمواقف، مقولة بليغة في معناها، متينة في مبناها، لها دلالات بينات، تبرهن عليها وتؤكدها في أكثر من مكان وزمان.
تذمر الناس من تطبيق نظام «ساهر» لعدة أسباب، والناس أعداء لما يجهلون، منها عدم التدرج في الغرامة المالية، حيث يرون أنه كان من المفترض التدرج في قيمة المخالفة، بحيث كلّما تكررت المخالفة يزداد تبعاً لها القيمة المترتبة عليها، ومن الأسباب حاجة المجتمع إلى توعية مكثفة بالنظام وتبعاته، والأهم من هذا وذاك أن الطرق العامة والشوارع تفتقر إلى ما يسمى ب»الهندسة المرورية» التي تتمثل في التعليمات والإرشادات والتنويهات والتحذيرات وكل ما يساعد قائد السيارة ويرشده إلى اتباع أنظمة المرور واحترامها والالتزام بها أثناء السير، وخصوصاً إرشادات السرعة والتجاوز.
لا شك أن لحالة التذمر التي سيطرت على الناس عامة، وعلى الذين اكتووا بنار الغرامات خاصة مسوغاتهم، لكن لجهاز المرور والقائمين عليه أيضاً مسوغاتهم المعتبرة التي جعلتهم يفكرون في هذا النظام، ويشاركهم في هذا قطاعات أخرى مثل الهلال الأحمر والصحة، وبغض النظر عن مسوغات التذمر التي انتابت الناس في بداية تطبيق النظام، إلا أن النتائج التي تمخض عنها، تشفع له، على الرغم من قصر المدة التي مرت على تطبيقه، وتجعل الناس يستبشرون به، وينسون حالة التذمر، لأن ما تحقق من إنجازات ونجاحات، يعدُّ في منتهى الروعة، فالكل يراها واضحة للعيان، في الطرقات العامة وفي الشوارع، وهذا بعث في النفوس الفرح والابتهاج والسرور.
في السابق عندما يزمع الواحد ركوب السيارة، ينتابه شعور مسبق طابعه التحفز والقلق، ويظل هذا الشعور يلازم قائد السيارة ويسيطر عليه ويصاحبه في كل آن وحين حتى يعود إلى منزله، يعود وكلّه مخاوف وهموم وضيق وقلق، بسبب ما يخبره من عدم مبالاة كثير من السائقين، وما يصدر عنهم من استفزازات ظاهرة، ضاربين عرض الحائط قواعد المرور وآدابه وتعليماته، بل يندر أن يرجع سائق السيارة مهما كان طريقة، ومهما كانت مدة قيادته للسيارة، وزمنها نهاراً أو ليلاً إلا وهو غاضب حانق، من كثرة ما يتعرض له من تعدٍ وتحدٍ، وما يشعر به من تحفز وارتباك، والخوف من التعرض لخطر الحوادث والصدم، فالحوادث تترى، والخسائر المادية والبشرية أكثر من أن تحصى.
أما الآن فالحال مختلفة عن السابق بدرجة واضحة، حيث يلحظ الكل انخفاض سرعة السائقين وهدوئهم أثناء السير، وهذا مما قلل من درجة القلق والتحفز والخوف التي كانت مسيطرة على النفوس أثناء القيادة، وتؤدي إلى مزيد من حوادث الاصطدام والدهس، صارت النفوس أكثر طمأنينة، وصارت الحركة أكثر سلاسة، وبهذا تحقق الخير في أمر كان الناس يكرهونه ويتذمرون منه. وحيث إن «ساهر» نجح في ضبط السرعة، ومن أجل تحقيق مزيد من النجاحات، والمحافظة على سلامة الناس وأرواحهم، ينبغي النظر في إضافة بعض المخالفات التي يتكرر حدوثها من السائقين مثل ربط الحزام، والتحدث بالجوال، والتجاوز يمنة ويسرة، وقطع الإشارة، إلى قائمة المخالفات التي يرصدها «ساهر»، وبهذا ينضبط السائقون ويلتزمون، وتبدو الحركة المرورية بمظهر حضاري لائق.
تحية تقدير واحترام وإعجاب للقائمين على جهاز المرور في الرياض، وفي مقدمتهم العقيد عبد الرحمن المقبل، وإلى مزيد من النجاحات.