تقديم:
أسعدني الحظ، وشرفت، بأن أكون ضمن رؤساء التحرير في أغلب الزيارات الرسمية التي قام بها إلى دول العالم ملوك المملكة: فيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله، ومن الأمراء: سلطان، ونايف، ثم سلمان؛ فقد مكنتني هذه الزيارات - لأهميتها - من أن أكون على مسافة قريبة مما كان يتم ويجري من مباحثات بين قادة المملكة وقادة أهم دول العالم بامتداده الجغرافي وأبعاده التاريخية وتأثيره اقتصادياً وأمنياً وسياسياً.
***
ولا أبالغ في القول حين أقول إنه ما من رحلة من هذه الرحلات التي تعددت وتزامنت مع التطورات والمستجدات بالغة الأهمية من حيث تأثيرها في منطقتنا - وبخاصة في مملكتنا - إلا وكانت نتائجها قد اكتسبت من الأهمية ما يلقي ظلالاً، وفي إيضاح جلي، بالنسبة إلى حجم التأثير السعودي في القرارات الدولية، اعتماداً على المنطق السعودي الواعي في التعامل والتعاون مع دول العالم.
***
وفي كل مرة يقودني هذا الحراك السياسي والاقتصادي الذي تتبناه المملكة، وتتعاون به مع أصدقائها في العالم، من خلال زيارات لا تتوقف لقادتها ومسؤوليها، وأكون حينئذ ضمن الزملاء الحضور الذين لا يكتفون بالسماع فقط، وإنما يضيفون إليه المشاهدة والاطلاع ورأي العين لكل هذه التطورات في العلاقات الدولية بين قادة المملكة ونظرائهم في الدول الأخرى.. إنما أكون كمن تتجدد الثقة لديه، ويزداد إيمانه القوي، بأن هذا الوضع الذي تعيشه المملكة ومراحل التطور الذي تمر به إنما هما انعكاس لهذه السياسة التي اكتسبت أهميتها من هذا الثراء المعرفي والمخزون المعلوماتي لدى قادتها ومسؤوليها في العلاقات الدبلوماسية.
***
ودون مبالغة، وفي وصف دقيق لكل زيارة قام بها ملك أو أمير، ممن كان لي فرصة السفر بمعية أي منهم على مدى أكثر من أربعين عاماً مضت، كنت ألحظ اهتماماً غير عادي بضيف هذه الدول؛ حيث حفاوة الاستقبالات الرسمية على أعلى مستوى، وحيث تكون الاستقبالات الشعبية بمثابة ترجمة صادقة لمشاعر الناس وعاطفتهم نحو ضيفهم، فضلاً عن أن نتائج الزيارات تكون عادة بمستوى أهمية المملكة ومن يقوم بزيارة رسمية منها، فتعطي بذلك أفضل مدلول على أن المملكة إنما تمثل رقماً مهماً في المعادلة السياسية والاقتصادية ذات التأثير القوي في مسار العلاقات الثنائية من جهة، مثلما أنه ينظر إليها - من جهة أخرى - على أنها لاعب ذو وزن لا يُستهان به في ساحة التطورات على مستوى دول العالم.
***
غير أن ما يهمني وأريد أن أتحدث عنه، وقد أنهى سمو أمير منطقة الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز واحدة من أهم زياراته الرسمية لدولتين أوروبيتين مهمتين هما النرويج وألمانيا، أن المملكة وهي تطرق أبواب الدول الصديقة لتفعيل الشراكة والتعاون معها في مجالات عدة، وبخاصة في الجانب الاقتصادي، فأنها وفي مقابل ذلك لا يكاد يمر يوم دون أن يكون قادتها ومسؤولوها في الرياض أو جدة في استقبال أو توديع زعيم أو مسؤول كبير في أهم دول العالم، حلَّ ضيفاً عليها لعرض رغبة بلاده في التعاون والتفاهم على كل ما يلبي مصلحة المملكة والجانب الآخر، وينسجم مع التوجه الذي تقوده المملكة ضمن منظومة من الدول الكبرى لإرساء قواعد الأمن والسلام والاستقرار لشعوب ودول العالم.
***
ولعل زيارة الأمير سلمان لأوسلو ثم برلين، وبما تمخضت عنه هاتان الزيارتان المهمتان من نتائج وتفاهمات، وما انطوت عليهما من ترسيخ للعلاقات الثنائية المتميزة بين الرياض وكل من أوسلو وبرلين، تعطي إشارات قوية للمهتمين بهذا النوع من العلاقات بين الدول للتعرُّف على متانتها وقوتها وما هو متوقع ومرشح ومنتظر لها في المستقبل، وهي إشارات مهمة يمكن أن تقودنا للتعرُّف على مدلولاتها تلك الكلمات المتبادلة بين سلمان وقادة ومسؤولي هاتين الدولتين، كما يمكن أن تعطي ولو وميضاً عن اهتمام الناس بالزيارتين ومتابعتهم لخطوات سلمان في الشارع وأمكنة الاجتماعات، حيث يحرصون على التقاط الصور، والتواجد العفوي على امتداد الطرق التي يمر بها موكبه في الدولتين.
يتبع غداً