يبدو أن تقديرات استهلاك محطات الكهرباء من النفط لتشغيلها متضاربة ومتباينة بشكل كبير بين هيئة تنظيم الكهرباء وشركة الكهرباء.. فالهيئة صرحت على لسان معالي المحافظ أن إنتاح الكهرباء يستهلك 10 بالمائة من إنتاج المملكة.. حيث قدر الرقم بحدود 320 مليون برميل سنوياً.. بينما قالت الشركة على لسان رئيسها التنفيذي إن الرقم يقف عند 100 مليون برميل ويمثل نصف احتياجات المحطات من النفط.. أما الباقي فهو يعتمد على الغاز.
بداية أن الهيئة تعتبر هي المرجع الرئيس لكل المعلومات عن قطاع الكهرباء كونها الجهة المعنية بالطاقة الكهربائية بالمملكة ويفترض أنها تملك المعلومات والإحصائيات لأنها أساس الدراسات المستقبلية من خلالها.. ولكن بالمقابل فإن شركة الكهرباء هي المنتج الأكبر للطاقة وبنسب تتعدى 95%.. وبالتالي فإن امتلاكها للمحطات ومعرفتها التامة بكل ما تحتاجه محطاتها من وقود لتشغيلها، لكن يبقى بيت القصيد هنا إذا كانت هذه التباينات الكبيرة موجودة فهل يعني ذلك أن خللاً ما يعتري أغلب الدراسات والأبحاث عن الاحتياجات الفعلية المستقبلية للطاقة الكهربائية وحجم الاستثمارات المطلوبة لها وهل هناك عدم تنسيق بين الهيئة والشركة بمجال تبادل المعلومات خصوصاً أن الشركة تعمل تحت مظلة الهيئة.
وإذا أخذنا حجم الفرق بين الرقمين نجد أنه يتخطى 200 مليون برميل.. وهو فارق كبير بكل المقاييس وتبلغ قيمته السوقية مليارات الدولارات حسب الأسعار العالمية, أما عن توقعات الهيئة لمستقبل إنتاج الكهرباء فترى أن الرقم سيصل إلى 120 ألف ميجاوات بعد عقدين وستستهلك المحطات 900 مليون برميل نفط أي ثلث إنتاج المملكة حالياً وهي أرقام خيالية وستستنزف ثروات كبيرة جداً خصوصاً أن أكثر من نصف الاستهلاك هو منزلي والذي يحظى بدعم حكومي كبير.. وبالتالي فإن الوصول لهذه الأرقام يتطلب استثمارات تصل إلى 700 مليار ريال على الأقل.. وهذا ما يعني أن الحصول عل تمويلات أو استقطاب لمستثمرين لن يكون بالأمر اليسير لتحقيق مثل هذه النسبة العالية من الأرقام.. بينما ترى الشركة أنها بحاجة إلى 150 مليار ريال كاستثمارات مطلوبة خلال الخمس سنوات القادمة لزيادة الإنتاج مواكبة للطلب الذي ينمو 8 بالمائة سنوياً، وأنها ترى في العام 2017م نقطة الوصول إلى نسبة فائض 10 بالمائة بين الإنتاج والاحتياج في ذلك التاريخ.. وترى الشركة أن هذه النسبة هي المعيار العالمي المتبع غير أن الهيئة ترى أن الفائض يجب أن يكون بحدود 20 بالمائة.. وهنا يظهر تباين من نوع آخر فوجود زيادة بالإنتاج أمر إيجابي.. لكن إذا زاد عن الحد المطلوب فإنه يصبح عبئاً مالياً على المنتجين تحديداً لأن هذا الرقم يجب أن يتم الحفاظ عليه، وهذا يتطلب عدم توقف الاستثمار للإبقاء على النسبة المذكورة وعندما نتكلم عن فرق 10 بالمائة بين تقدير الجهتين فنحن نتكلم عن أرقام كبيرة تحتاجها الشركات المنتجة للاستثمار سنوياً لا تقل عن 20 مليار ريال سنوياً بخلاف تكاليف الصيانة وغيرها.
إن الحديث عن دراسات وأبحاث تتعلق بالطاقة الكهربائية يُعد جانباً إستراتيجياً تتوقف عليه الكثير من التوجهات سواء باستثمارات البناء السكني أو التجاري أو الصناعي بشكل رئيس فلا بد أن تكون موحدة أو متقاربة بين الأطراف ذات العلاقة.. فكل جهة منها هي محل ثقة كبيرة ولا خلاف على مهنيتها لكن مثل هذه الاختلافات الكبيرة بالأرقام تبدو غريبة وتحتاج إلى إعادة نظر وتصحيح وقد يكون هناك تفسيرات أخرى لم توضح.. والجميع بالتأكيد ينتظر أن تفصح الهيئة تحديداً عن دقة الأرقام التي ذكرت بالضبط فقد تكون شاملة لمحطات تحلية المياه كونها تنتج كهرباء والهيئة هي مسؤولة عن تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج.
المملكة تتوجه لتعدد مصادر الطاقة بعد إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة وسيكون هناك حسابات مختلفة لحجم الاستثمارات المطلوبة مستقبلاً لإنتاج الكهرباء.. ونأمل أن نسمع من الهيئة والشركة تقديراتهما المستقبلية في هذا الاتجاه في حال اعتماد مشاريع إنتاج الكهرباء بالطاقات الأخرى بعد أن تتضح معالم المشاريع القادمة بهذه النوعية من الطاقة.. حيث لم يجر أي تنويه إلى الآن بأن كل شيء سيكون قابلاً للتغيير بعد أن توضع الخطط المستقبلية لعمل المدينة حتى لا يكون هناك استقراءات خاطئة من المستثمرين على وجه التحديد لأن كل نوع من الطاقة له تكلفة مختلفة.. وبالتالي حسابات متغيرة.