عندما تختلف الطرق والوسائل المعتمدة في الحكم على متعلم باجتياز مرحلة تعليمية معينة.. لقياس تحقيق الأهداف المنوطة على كاهل العملية التعليمية.. ولتقديم مخرجات كفء تكون قد تحققت فيها أهداف تعليمية قريبة وبعيدة المدى..؛ فإنه يجب على التعليم في هذه المرحلة التكيف مع تلك الطرق الحديثة والإستراتيجيات العالمية لقياس التحصيل والتقويم بشكل عام,
لاسيما وأن التعامل مع الفئات البشرية في البحوث والدراسات التربوية من الصعوبة بمكان, لتحقيق مستوى عالٍ من الصدق والثبات في نتائج تلك الوسائل والطرق، لذا فإن التعامل الميداني مع تلك الوسائل الحديثة للقياس والتقويم هو المعول الرئيس لاعتمادها من عدمه، وليس معنى ذلك أن يكون هناك ثمة ضحايا لطريقة التعلم بالمحاولة والخطأ وتجريبها على بعض فئات الطلاب من المراحل العمرية المختلفة لنثبت جدواها أو العكس، لكن قطعا سنجد في الدراسات والبحوث التربوية ما يقدم نتائج واضحة لعينات يمكن تعميمها.. قد تطمئن أو توحي بتطبيق تلك الطرق على مستوى أعمق في العملية التعليمية. وعليه فإنه لا يمكن الاعتماد على الدراسة وحدها لتفعيل أي استراتيجية معينة.. وكذلك القول لا يمكن الاعتماد على الواقع الميداني التجريبي فحسب, بل لابد من الجمع بينهما.
لن أتحدث هنا عن الاقتصار العقيم على اختبارات الورقة والقلم, وقلة الثقة بطرق التقويم الحديثة الأخرى، فهو حديث ذو شجون. لكني أطرق باب تلك الاختبارات المتبعة في قياسنا التحصيلي لطلابنا التي طالما تساءلت عن مدى الجدوى المتبعة في بعض تفاصيلها في مدارسنا.. دع عنك محورتنا لعملية القياس في الاختبارات الفصلية النهائية, بالطبع باستثناء القفزة المتميزة في قياس تحصيل المرحلة الثانوية وتقييم اختبار القدرات كمرحلة واعدة، على الرغم من ذلك إلا أن اتباع بعض أنظمة اختبارات آخر العام في مدراس التعليم العام يحملني إلى قصة السمكة التي قطعت نادية رأسها وذيلها في اتباعها لطريقتها النموذجية لطهي السمك، وعندما سألها صديقاتها عن السر خلف قطع الرأس والذيل أجابت بأنها لا تعلم ما هو السبب.. غير أن هذه طريقة متوارثة من الجدة فالأم، وأخيراً بعد البحث والسؤال الحثيث وراء ذلك السر المتوارث في قطع رأس السمكة وذيلها لطريقة طبخ نموذجية تتبعها أسرة نادية منذ سنين عدة، أجابت الجدة أنه ما من سبب كان يحملها على قطع رأس وذيل السمكة إلا صغر حجم الطبق الوحيد لديها الذي تضع فيه السمكة الذي لا يستوعب حجمها كاملة!
كم هي الممارسات التي نتبعها في نظامنا التعليمي التي لا نعلم منشأها ولا السبب من رواء اتباعها وجعلها روتينا مملا قد لا يكون أثره مجديا على دافعية المعلم للبذل ما لم يكن من ورائه غاية يلتمسها تروي عطش الجهد والوقت المستهلك لتطبيقها دون علم, أو حتى في ظل وجود دراسة عملية تعطي مبررات لاستخدام هذه الخطوات المعقدة! وعليه فإنه لا سبيل إلى إتقان الجدوى من العمليات التفصيلية الإجرائية في نظام الاختبارات وعلى رأسها قياس التحصيل في الاختبارات الفصلية سوى نظام الجودة, الذي توجهت حكومتنا الرشيدة إلى الاهتمام به لضمان جودة التعليم وإتقان مخرجاته وعملياته الإجرائية الضمنية.. عن طريق انطلاق اللجنة الوطنية للجودة بتدشين إدارات الجودة في وزارات التعليم ابتداء من التعليم ما فوق الثانوي إلى التعليم العام وصنع معايير الجودة في التعليم، ووضع مؤشرات مختلفة تضمن سير العملية التعليمية في المسار الصحيح بأقل جهد ووقت وتكلفة ممكنة, وهو الأمر الذي قد يضمن عمل غربلة جديدة لكل ما هو قائم.. ودراسة جدوى ما هو مطبق في الجامعات والمدارس في المملكة العربية لسعودية.. لضمان الإتقان والتميز في المخرجات التعليمية والاطمئنان على وضع كل شيء في مكانه الصحيح.
وحقيقة فإن المهتم بتلك المعايير وذلك النظام القائم على دراسة الجودة في تعليمنا وعملياته الإجرائية يرى البون الشاسع في الاهتمام بذلك التوجه بين التعليم العام وبين الاهتمام به في التعليم ما فوق الثانوي.. ففي حين أن المؤتمر الأول للجودة في المملكة العربية السعودية كان في مطلع عام 1425هـ الذي كان من أهم نتائجه: ضرورة تبني الجودة والإتقان كسلوك إداري وفني في مراحل التعليم العام, وإنشاء إدارة للجودة التربوية تعمل تحت مظلة وزارة التربية والتعليم؛ إلا أننا نجد معايير الجودة في التعليم العالي على قدم وساق.. قد خرجت منذ ذلك التاريخ مدروسة مكتملة واضحة بكل مؤشراتها على الصعيد المؤسسي أو البرامجي، في حين أن تلك المعايير لم تر بصيصا من النور في التعليم العام.. ولا يوجد ما يوحي بخروجها قريبا سوى مؤتمرات أجدها مسكّنة..كان آخرها المؤتمر الذي عقدته جستن للاهتمام بالجودة في التعليم العام قبل عامين..!
وحقيقة الأمر أنه منذ تاريخ أول مؤتمر وطني للعناية بالجودة في التعليم, لم تخرج معايير واضحة للجودة في التعليم العام, لنتمكن من استقراء التناقض الكبير في الاهتمام بعمليات القياس التحصيلي بين القطاعين العالي والعام كأحد أجزاء العملية التعليمية.. لاسيما وأن التعليم العام ما زال يردح تحت روتين الأقلام الملونة من تصحيح ومراجعة وتدقيق بالألوان التي باتت تشكل للمعلمين كابوسا في أيام الاختبارات ومستهلكا للوقت والجهد الذي قد لا يحمل أكثر من ضمان المساءلة في حال وقع خلل ليس أكثر! فهل نسبة الأخطاء التي قد يتعرض لها تصحيح اختبارات الطلاب في المدارس تربو على ما سواها لدرجة تجعل من المعلم تحت وطأة تلك الرقابة الشديدة التي لا يستطيع معها حمل أوراق طلابه لمتابعة تصحيحها في منزله أو حتى انفراده بورقة امتحان لتصحيح كامل الأسئلة فيها، أضف إلى ذلك ما يسبقها من عمل للنماذج الإرشادية المعممة على المستوى الإقليمي الذي يجعل من كشف جزء كبير من محتوى ومضمون الأسئلة ميسرا للطالب لاسيما وأنه في كل بيت يوجد من يفك طلاسم تلك النماذج، التي من الممكن أن يخول وضعها على المعلم نفسه بعد تدريبه على عمل تلك النماذج ومعرفته العملية الحقيقية لتكوين جداول مواصفات لا تكون موحدة على مستوى إدارة التعليم.
وفي المقابل لا نجد ربع هذا المنهج في المساءلة لعمل ومتابعة أعمال الاختبارات على مستوى التعليم العالي! فلا نعلم أيهما يضمن تحقيق عملية قياس تحصيل حقيقية بالفعل؟!! الذي قد يجعلنا واهمين نرجح كفة اختبارات التعليم العام في الأهمية وضمان قياس المستوى التحصيلي الدقيق! وهذا كلام لا يمكن قبوله إطلاقا.. لاسيما وإن باتت شهادة الثانوية العامة لا تقتصر على النسبة التحصيلية للصف الثالث ثانوي فقط.. مما يجعل تلك الممارسات غير منطقية بالدرجة التي قد يحملها معنى تلك الاختبارات.
فكيف نضمن الإتقان والجودة في عملية الاختبارات التحصيلية في التعليم العام في ظل تلك العمليات الإجرائية التي لم يظهر ما يضبطها من معايير جودة حتى الآن.. فنوسع دائرة الاهتمام من روتين قاتل في الاختبار نفسه إلى ما قبل أو بعد الاختبار.. مما يجعلنا نعيد النظر حتى في جدوى طرق التدريس والوسائل التعليمية التي تمكن الطالب من الاحتفاظ بالمعلومة إلى مدة أطول.. وبالتالي نضمن عملية تعليم وتقويم شاملة. والسؤال الذي قد يطرح نفسه بشدة.. إنه إذا كانت هناك جملة لا يستهان بها من الدراسات والبحوث التربوية لمعايير الجودة في التعليم العام.. فلماذا تأخرت معايير الجودة في التعليم العام في الخروج حتى الآن.. لاسيما إن كانت من الأهمية بمكان في كل هذا التدقيق الإجرائي لعملية الاختبارات القائمة بين أروقة مدارسها؟!
xto2x@hotmail.com