عترف يولي ادلستاين في المحاضرة التي نظمها الاتحاد الصهيوني Zionist Federation في فبراير الماضي في لندن في بداية حملة علاقات عامة عالمية بأن إسرائيل تعاني أزمة كبيرة في صورتها الخارجية،
وهي الأسوأ خلال العشرين عاما الماضية.. وكان يتحدث على خلفية ضلوع المخابرات الإسرائيلية في اغتيال ناشط من منظمة حماس في دبي، والكشف الكامل عن خيوط هذه الجريمة.. وكذلك على خلفية تقرير جولدستون عن انتهاكات إسرائيلية في غزة.
وتواجه إسرائيل حالياً أزمة كبيرة مع الرأي العام العالمي عندما هاجمت البحرية الإسرائيلية أسطول الحرية الأسبوع الماضي. حيث يعد هذا العمل ضربة موجعة في جهودها لتحسين صورتها في العالم.. وأصبحت إسرائيل في موقف صعب أمام وسائل الإعلام العالمية وأمام الرأي العام العالمي..
وتواجه إسرائيل أزمات عديدة في صورتها الخارجية بعد كل حدث تقوم به.. وأشار تقرير نشر عام 2002م عن أن إسرائيل تواجه أزمات إعلامية، وأشار التقرير إلى أنها تفتقد إلى هيئة مركزية تتابع الشأن الإعلامي الدولي.. وتفتقد العمل على إطلاق حملات إعلامية مدروسة في الخارج.. كما أن التكرار وضياع الفرص وعدم التنسيق بين إدارات العلاقات العامة في مختلف المؤسسات الإسرائيلية الحكومية (وخاصة بين مكتب رئيس الوزراء وزير الخارجية ووزير الدفاع والمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي) قد أفضى إلى فوضى كبيرة.. وضرب التقرير بأمثلة تمثل فشل آلة الدعاية الإسرائيلية مثل.. حصار المقاطعة، جنين، وغيرها..
وعودة إلى الأزمة الحالية التي لا تزال تعيشها إسرائيل بسبب مواجهتها لأسطول الحرية الذي كان يحاول كسر الحصار عن غزة، فإن الآلة الإسرائيلية قد نشطت وبسرعة فائقة وأحيانا بدون تنسيق بي جميع الأطراف من داخل إسرائيل وخارجها، لأن الهدف واحد هو محاولة فك الاختناق الذي وضعت فيه إسرائيل نفسها، والخروج من المأزق الذي تواجهه.. وقد عملت إسرائيل وبشهادات إعلامية على أن تعيد تفسير حادث الأسطول بطريقتها الخاصة، ولا يتأتى ذلك إلا باختلاق مواقف وتصاريح وأحداث جديدة وإدخالها في سيناريو الأحداث الحقيقية.. من أجل إعطاء تفسير جديد للأحداث.. ويواكب ذلك تصريحات متتالية ومركزة ومدروسة من المسئولين الإسرائيليين، ومن نشطائهم في الكونجرس الأمريكي وفي المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا.. كما ينشط اللوبي الإسرائيلي في كتابة مقالات والحديث بالتحليل والرأي لوسائل الإعلام تدعم موقف الحكومة الإسرائيلية..
وحقيقة كما سبق أن أوضح شمعون بيريز فإن «السياسة الجيدة هي العلاقات العامة الجيدة» good policy is good PR فإسرائيل مشكلتها المحورية في أنها لا تمتلك سياسات جيدة، وإذا وضعت أي سياسة تكون موجهة فقط لتكريس الأمر الواقع.. والجميع يعرف أن الأمر الواقع الذي تتطلع إليه إسرائيل هو أمر غير مقبول عربيا ودوليا.. ولهذا فإن أي جهود تبذلها إسرائيل في محاولة تحسين صورتها الخارجية أمام العرب أو أمام العالم لن تنجح بكل المقاييس الإعلامية، وستكون مكشوفة أمام الرأي العام العالمي..
والفرق بين العرب والإسرائيليين أن إسرائيل تحاول أن توظف وسائل الإعلام وآلات الدعاية وحملات العلاقات العامة لتحويل الأحداث لخدمتها رغم التعديات والحروب والأزمات التي تصنعها وتدخل فيها..
أما العرب فعلى الرغم من كونهم يركضون وراء حقوقهم الشرعية ويطالبون بوقف سفك الدماء وقتل الأبرياء واستعادة أراضيهم ومقدساتهم إلا انهم لا ينتصرون في دعم هذه الطلبات، ولا يساندونها بإعلام وحملات رأي عام عالمية.. وباختصار فحملات الإعلام الإسرائيلية تقلب الباطل حقا، وتغير معالم الجريمة، وتزيف وقائع وأحداث جديدة.. أما حملات العالم العربي فهي تخسر رغم أن الحق معها.. والشرعية منطلقها.. لأن الإعلام يساعد من يفهمه، ويعرف كيف يتعامل معه.. ونفس الإعلام هو عدو من لا يعرفه ولا يستطيع أن يتعامل معه..
وتراهن إسرائيل على يوم الجمعة القادم هو نهاية هذه الأزمة التي تعيشها، لأن العالم ستتجه أنظاره إلى جنوب أفريقيا في افتتاح كأس العالم لكرة القدم.. ولا يضير قليلا إذا ناورت إسرائيل في الوقت الضائع، لأن العالم سينشغل عنها تماما.. وهذه لعبة علاقات عامة ستوظفها لإيقاف سيل الاتهامات والاحتجاجات التي تواجهها من عدة أيام.. وأظن أن العالم العربي نفسه سينشغل بكأس العالم ولربما تنتهي القصة.. فكلما وقعت إسرائيل في أزمة من الأزمات استطاعت بطريقة أو بأخرى أن تخرج منها.. ومن المعروف أن إسرائيل هي دولة أزمات، وقد تمرست في التعامل مع أي أزمة تواجهها.. وهذه الأزمة بالتحديد كانت ولا تزال خانقة لها، لكونها كانت سلمية بالدرجة الأولى، ولكون المشاركين من مختلف دول العالم، ولكون الهجوم أدى إلى مقتل ناشطي السلام.. ولهذا فهذه الأزمة هي أزمة صورة حقيقية ذات أبعاد خطيرة على صورتها ليس فقط من المؤسسات الرسمية العالمية، ولكن حتى لدى الرأي العام العالمي..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa