لا زالت المعارض التشكيلية التي تتولى تنفيذها لجنة الفنون التشكيلية بفرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في جدة تدور حول النمطية التقليدية والمجاملات على حساب النوعية، ولا ترقى أبداً إلى مسمى المعارض التشكيلية المحترفة القائمة على التوجهات والمضامين الفنية الجلية، وتواكب الخطى السريعة التي تشهدها الساحة التشكيلية السعودية في سباق مع تطور الفن العربي والعالمي، والوصول إلى الرقي والتميز والازدهار وتقديم هذا الرافد الهام من ينبوع الفكر والثقافة بشكل حضاري يحقق طموحات الفنانين.
وهناك ثمة خلل في هذه الآلية التي تحتاج إلى وقفة تأمل متأنية وموضوعية وصريحة وحازمة، وإعادة حسابات وتخطيط ودراسة، لتخطي هذه المشكلة، لتظهر تلك المعارض في الصورة البهية التي من خلالها تنبثق نتاج الفنان ومدى جدية عطائه وتشكل إضافة سواء لتجربته أو للمتلقي أو للساحة التشكيلية المحلية، وتوجه في الوقت نفسه رسالة حضارية وجدانية فنية وتضيء شعلة روحية قصدية.
وهذا ما بدا واضحاً في معرض فناني المملكة الثاني الذي أقيم بتاريخ 6-5-1431هـ، الذي لم يكن في مستوى المقدمة التي وردت في كتالوج المعرض. (وها هو المعرض الثاني لفناني المملكة والذي يأتي بكل جديد وبمجموعة من المبدعين في الساحة التشكيلية وبباقة أعمالهم الرائعة).
أين الأعمال الإبداعية؟! أين الأعمال الرائعة؟! أين المضامين المتماشية مع فنون العصر؟! أين الجديد؟!
إن أكثر المعروضات قديمة ومنها لفنانين خرجوا من هذا النهج وأصبحت لهم من التراث!! ولا يدرون عنها!! ومنها من متروكات المعارض السابقة في أتيليه جدة. إن المعرض بهذا الوضع لا يعكس المستوى الحقيقي لفناني المملكة، ولا يليق بمكانة مدينة جدة عروس البحر الأحمر وفنانيها ومثقفيها وإنجازات الخير والرخاء والتقدم التي يشهدها الوطن الغالي، فعلى الرغم من وجود بعض الأسماء المعروفة والمخضرمة لها تاريخها وتجاربها الناجحة، إلا أنهم لم يقدموا أفضل ما عندهم، وكأن هناك إجباراً على المشاركة أو مجاملة للمنظمين، ومما زاد الطين بلة، الكتالوج الذي كان سيئاً شكلاً وتنسيقاً وإخراجاً، والحضور الباهت الذي كان سببه عدم وجود بطاقات دعوة والإعلان بوقت مبكر عن موعد المعرض..
أين رموز الفن السعودي (علي الرزيزاء، علي الطخيس، طه صبان، يوسف جاها، حسن عبد المجيد، فيصل الخديدي، عبدالله الشلتي، خليل حسن خليل، محمد الأعجم، عبد الرحمن السليمان، محمد سيام، بكر شيخون، حمزة باجوده، سعد العبيد، سعود الدريبي، كمال المعلم، فهد الجيلان، سمير الدهام، عبد الجبار اليحيا، عبدالله الشيخ، عبدالرحمن العجلان، فؤاد مغربل، محمد الصقعبي، منصور كردي، نايل ملا، هاشم المهنا، عبدالله إدريس، محمد المنيف، عثمان الخزيم، عبد العظيم الضامن، عبد الحميد البقشي، وغيرهم من الأسماء الذين يمثلون الصفوة من فناني المملكة ليكون فعلاً كما ورد في الكتالوج على لسان الأستاذ عبدالله باحطاب (لإعطاء صورة حية ومشرقة لواجهة ثقافية بصرية ببلادنا الغالية).
لذا يجب أن يكون هناك تخطيط متأنٍ وإعداد مدروس، وما يرافقها من إجراءات تنفيذية ومطبوعات ودعوات وتغطية إعلامية، وتأمين التواصل مع الفنانين والمتلقين، ليصبح هذا المعرض حدثاً يضاف إلى إنجازات الفن التشكيلي السعودي. ويكون فعلاً كما في جعبة الأستاذ عبدالله باحطاب (أن يكون هذا التجمع فرصة لجميع المشاركين بأن يقدموا عطاءاتهم في أعمالهم المبتكرة ومضامين متماشية مع فنون المعاصرة).
ومن هنا نتمنى أن يتغير الحال والوصول بمعرض «فنانو المملكة» إلى المستوى الذي يعكس مستويات فنية ذات قيمة جمالية متميزة، يساهم في الوصول بالفن التشكيلي السعودي إلى مستوى الحراك التشكيلي بمفهومه الشامل، ويكون عاملاً مهماً في إزالة المعوقات والركود في الطرح الفني وغياب أصحاب الذائقة الفنية الراقية، ونافذة يطل منها الجمهور على حيوية التجارب المتعددة والجسر الذي يتواصل منه الفنان ومتلقيه، ويصبح هذا الحدث مهرجاناً مهماً ينتظره الجميع، يحقق للفنان السعودي بعطائه وتواصله مع الآخرين، ثراءً وخبرة وإضافة لصالح الحركة الثقافية بالمملكة العربية السعودية، لأن هذا الفن واجهة ثقافية يمثلنا جميعاً ويعكس حضارة أمتنا وتقدم شعبنا.
بقلم: أحمد فلمبان