العفو هو ترك العقاب على الذنب والتنازل عن حقٍ مقرر بحكم مبدأ العدل، والعفو هو عطاء إيجابي وهو فضيلة من الفضائل التي لا تمارس إلا في مواجهة ذنب أو إساءة، والعفو له مكانة كبيرة عند الخالق المصور جل شأنه والذي قال في كتابه العزيز: ?إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا? (149) سورة النساء.
لقد أكد الإسلام على فضيلة العفو وما لها من أهمية كبرى في التعامل مع المسيئين والمخطئين والذين يرون أن العفو قد حرر رقابهم من الحد الشرعي أو غير ذلك من المعاملات الشرعية والحدود التي يجب أن تقام ضد كل من يرتكب ذنباً يعاقب عليه الشرع أو الأنظمة المرعية والمتبعة في كل بلد من بلدان العالم.
ولنا في سيد البشرية القدوة الحسنة، لقد عفى - صلى الله عليه وسلم - عن أهل مكة يوم فتحها على يده، ما عدا ستة رجال وأربع نساء أمر بقتلهم؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يدرك أن العفو عن هؤلاء لم يكن ليحقق هدفه الإصلاحي الذي أمر به الباري عز وجل، ولن يضيفوا لأمة محمد خيراً بل شراً يجب قطعه.
وفي عصرنا الحالي ومع تعدد المشاكل ومع كثرة الأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة، ومع كثرة الحوادث والإساءات والاعتداء على القيم والأخلاق والوطن، وأحياناً كثيرة الاعتداء على الدين الحنيف وعلى العلماء بالقذف، والتقليل من أحاديث صحيحة وردت في الصحيحين والكثير من الأمور التي لها علاقة مباشرة في حياة الناس وفي حركاتهم وسكناتهم وأمنهم واستقرارهم، فإن الناس بحاجة ملحة إلى العفو وإلى الصفح وإلى التسامح. هذا العفو الذي يتوافق مع مبادئ الإسلام السمحة بعيداً عن حمية الجاهلية، وبعيداً عن العصبية، وبعيداً عن التدخل لمنع الخير. نعم نعترف ونعتز ونفخر بأن العفو في المجتمع السعودي يمثل ركيزة مهمة من ركائز أخلاقيات هذا المجتمع وأصالته وقيمه وشهامته.
ورغم هذا فإن هناك من يقلل من أهمية العفو وأهله وينظرون إلى من هداهم الله وعفو بأنهم يعانون من الضعف بل هناك من ينظر لهم نظرة دونية!!
وهؤلاء يخطئون كثيراً؛ لأنهم لم يدركوا أن العفو من شيم الكرام وأن الله قبل هذا أمر بالعفو لأنه يقترن بالخير وله عواقب حميدة، ولأنه سبحانه وتعالى قال: ?وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ? (14) سورة التغابن.
إن قصص العفو عبرت تعبيراً صادقاً عن تمسك كل العافين بأوامر الله واتباعها، وما دمنا ولله الحمد والمنة مجتمعاً متحاباً متماسكاً متاسمحاً فعلينا ألا نعود إلى عصور مظلمة كان فيها العرب يتباهون ويتعاملون مع رد الشر بالشر.
إن مجتمعنا وعلى لسان واحد يردد خلف الخيرين والصالحين والعادلين ولاة أمرنا: نعم للعفو ولا للعصبية.
****