ريحانة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسِبْطه، وسيد شباب أهل الجنّة، الحسن بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت رسول الله سيّدة نساء أهل الجنة، قال علي رضي الله عنه، كُنْتُ رجلاً أحبّ الحرب،
|
فلما ولد ا لحسن، هممت أن أسميه حرباً، فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الحسن، فلما وُلِد الحسين هممت أن أسميه حرباً، فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم -الحسين، وقال: إنني سميت ابنيَّ هذين باسم ابني هارون: شبّر وشبير.
|
وعن الحسن -رضي الله عنه- قال له أبو الجوراء: ما تذكر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أذكر أنني أخذت تمرة من تمر الصّدقة، فجعلتها في فِيّ، فنزعها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بلعابها، فجعلها في التمر، فقيل يا رسول الله، وما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي؟ قال: «إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة». قال: وكان يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنّ الصدق طمأنينة، والكذب ريبة.
|
وقد توسّع الباحثون في سيرة الحسن بن علي. فهذا الذَّهبي الذي أطال فيها، قد استقى سيرته من أكثر من ثلاثين مصدراً، فقد نقل عنه بالسّند أنّه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلّمنا هذا الدعاء.. وهو -دعاء القنوت-: «اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني في من عافيت، وتولّني في من تولّيت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، إنه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت» وأخْرَجت الرّوايات في كتب الحديث بزيادة في هذا القنوت.
|
قال الزركلي في كتابه الأعلام: هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو محمد، خامس الخلفاء الراشدين وآخرهم، وثاني الأئمة الاثنى عشر، عند الإمامية، ولد في المدينة وأمه فاطمة الزهراء، بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أكبر أولادها وأولهم، كان عاقلاً حليماً محباً للخير، فصيحاً من أحسن الناس منطقاً وبديهة؛ ولذا كان معاوية -رضي الله عنه- يوصي أصحابه باجتناب محاورة رجلين: هما الحسن بن علي، وعبدالله بن عباس؛ لقوة حجتهما وبداهتهما.
|
حج عشرين حجة ماشياً، ( 2: 214- 215). أما أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء فقال: دخل أصبهان غازياً مُجْتازاً إلى غَزَاةْ جرجان، ومعه عبدالله بن الزبير، وبايعه أهْل العراق بالخلافة، بعد مقتل أبيه سنة 40هـ، وأشاروا عليه بالمسير إلى الشام، لمحاربة معاوية بن أبي سفيان، فأطاعهم وزحف بمن معه، وبلغ معاوية خبره، فقصده بجيشه، وتقارب الجيشان، في موضع يقال له (مَسْكَن) بناحية في الأنبار، فهال الحسن أن يقتتل المسلمون، ولم يستشعر الثقة بمن معه، فكتب إلى معاوية يشترط شروطاً للصّلح، ورضي معاوية، فخلع الحسن نفسه من الخلافة، وسلم الأمر لمعاوية، في بيت المقدس عام 41هـ، وسُمِّي هذا العام عام الجماعة؛ لاجتماع كلمة المسلمين فيه، وانصرف الحسن إلى المدينة حيث أقام، إلى أن توفي مسموماً، (في قول بعضهم) ومدة خلافته ستة أشهر وخمسة أ يام، وولد له أحد عشر ابناً، وبنت واحدة، وإليه نسب الحسنيين كافة. ثم قال في حديث عن عمير بن إسحاق بالسّند: قال: دخلت أنا ورجل على الحسن بن علي نعوده، فقال: يا فلان سَلْنِي، قال: لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله ثم أسألك، قال: ثم دخل ثم خرج إلينا، فقال: سلني قبل أن لا تسألني، فقال: بل يعافيك الله ثم أسألك، قال: لقد ألقيت طائفة من كَبِدي، وأني سقيت السم مراراً، فلم أُسْق مثل هذه المرّة، ثم دخلت عليه من الغد، وهو يجود بنفسه، والحسين عند رأسه، وقال: يا أخي من تتهم؟ قال: لم؟ لتقتله؟ قال: نعم. قال: إن يكن الذي أظن، فالله أشد بأساً وأشد تنكيلاً، وإلا يكن فما أحب أن يقتل بي بريء، ثم قضى رضوان الله عليه, ومات في عام 50هـ وعمر 47 عاماً ( ص 2: 38).
|
يذكر الحسين بن بكّار: أن الحسن ولد في نصف رمضان، سنة ثلاث من الهجرة، وفي شعبان أصحّ، وقال عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، أَذَّن في أُذنِ الحسن بالصلاة حين ولد، وروى عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنه-، أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عقّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً، وعن شَرِيك بسنده إلى أبي رافع، قال: لما ولدت فاطمة، حسناً قالت: يا رسول الله، ألا أعقّ عن ابني بدم؟ قال: لا ولكن احْلِقِي رأسه، وتصدقِي بوزن شعره فضة على المساكين ففعلت.
|
حدث إسرائيل بسنده إلى علي، قال: الحسن أشبه الناس برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه به ما كان أسفل من ذلك، وحدث مَيْسَرةُ بن حبيب بسنده إلى حذيفة أنّه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقول: «هذا ملك لم ينزل قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يسلّم عليَّ، ويبشّرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة».
|
وقال عنه الذهبيّ: وقد كان هذا الإمام سيداً، وسيماً جميلاً، عاقلاً رزيناً، جواداً ممدّحاً، خيرّاً ديناً, ورعاً محتشماً، كبير الشأن، وكان مِنْكاحاً مِطْلاقاً، تزوج نحواً من سبعين امرأة، وقلّما يفارقه أربع ضرائر، ولذا روى جعفر الصادق، أن علياً قال: يا أهل الكوفة، لا تزوجوا الحسن فإنه مطلاق، فقال رجل: والله لنزوِّجنَّه، فما رضي أمْسَكَ، وما كره طلّق. قال ابن سيرين: تزوج الحسن امرأة، فأرسل إليها بمائة جارية، ومع كل جارية ألف درهم، ومن كرمه أنه كان يعطي الرجل الواحد مئة ألف. وحدّث إسماعيل بن عيّاش بسنده، عن يعلى بن مُرّة قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فجاء أحدهما قبل الآخر، فجعل يده في رقبته، ثم ضمه إلى إبطِهِ، ثم قبّل هذا وقبّل هذا، وقال: «إني أحبهما فأحبهما»
|
ثم قال: أيّها الناس، إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة».. ص 3: 253 - 255).
|
ومن كرمه وطريف أخباره، ما جاء عند أبي خلّكان، في كتابه وفيات الأعيان، نقلاً عن المبرّد في كتابه الكامل: أن مروان بن الحكم قال يوماً، :إني شغوف ببغلة الحسن، فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك، أتقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال: نعم، قال: فإذا اجتمع الناس عندك العشيّة، فإني آخذ في مآثر قريش، ثم أمسك عن الحسن، فلمني في ذلك، فلما أخذ القوم مجالسهم، أفاض في أولية قريش، قال له مروان: ألا تذكر أولية أبي محمد - يعني الحسن - وله في هذا ما ليس لأحد؟ قال: إنما كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدّمنا ما لأبي محمد.
|
فلما خرج ليركب تبعه ابن ابي عتيق، فقال له الحسن وتبسّم: ألك حاجة؟ قال: نعم البغلة، فنزل عنها ودفعها إليه. وذكر ابن عائشة أن رجلاً من أهل الشام قال: دخلت المدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً بغلة، لم أر أحسن وجهاً، ولا سمتاً ولا ثوباً ولا دابة منه، فمال قلبي إليه، فسألت عنه فقيل: هذا الحسن بن علي بن أبي طالب، فامتلأ قلبي له بغضا، وحسدتُ عليّ أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: أنا ابنه، قلت: فعل بك وبأبيك - أسبّهما؛ فلما انقضى كلامي قال لي: أحسبك غريباً؟ قلت أجل, قال: مِلْ بنا، فإن إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال آسيناك، أو إلى حاجة عاونّاك.
|
قال: فانصرفت عنه، وما على الأرض أحبّ إليّ منه، وما فكّرتُ فيما صنع وصنعت، إلاّ شكرته وخزّيت نفسي.. (ص 67).
|
وعن بداهته وحسن جوابه، حكى صاحب البريد: قال: بينما معاوية جالس في أصحابه، إذ قيل له: الحسن بالباب، فقال معاوية: إنه إن دخل علينا، أفسد ما كنَّا فيه، فقال له مروان بن الحكم: ائذن له فإني أسأله عما ليس عنده فيه جواب، قال معاوية: لا تفعل، فإنهم قوم أُلهموا الكلام، وأُذِن له، فلما دخل وجلس، قال له مروان: أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن، إن ذلك من الخوف، قال الحسن: ليس كما بلغك، ولكنَّا معشر بني هاشم طيبة أفواهنا، عذبة شفاهنا، فنساؤنا يقبلن علينا، بأنفاسهن وقُبَلهنَّ، وأنتم معشر بني أمية فيكم بخر شديد، فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن عنكم، إلى أصداغكم، فإنما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك، قال مروان: أما إنّ فيكم يابني هاشم خصلة سوء، قال: ما هي؟ قال: الغُلمة. قال: أجل نزعت الغُلمة من نسائنا، ووضعت في رجالنا، ونزعت الغُلمة من رجالكم، ووضعت في نسائكم، فما قام لأموية إلاّ هاشميّ. فغضب معاوية وقال: قد كنت أخبرتكم، فأبيتم حتى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم، وأفسد مجلسكم، فخرج الحسن رضوان الله عليه وهو يقول:
|
ومارسْتُ هذا الدهر خمسين حجة |
وخمساً أرجّى قابلاً بعد قابل |
فما أنا في الدنيا بلغْتُ جسيمها |
ولا في الذي أهوى كدحت بطائل |
وقد أشرعت فيّ المنايا أكفّها |
وأيقنت أني رهن موت معاجل (4-2). |
رحم الله الحسن بن علي فإن أخباره كثيرة، ومكارمه عديدة، وذكره حسن وفي الصالحين.
|
|