كنا على موعد الخميس الثالث عشر من جمادى الآخرة مع الشيخ جميل الحجيلان الذي ألقى محاضرة في ملتقى الخميسية بدارة العرب بعنوان «الغرب والشرق: من الظالم ومن المظلوم؟» وذكر المحاضر الكريم أن محاضرته عبارة
عن خواطر وتساؤلات يطرحها أمام الحاضرين في هذا الملتقى «ملتقى الخميسية.» ولقد استطاع المحاضر مستعينا بخبرة متأصلة لديه في مجالات السياسة والدبلوماسية والإدارة أن يرسم خطوطا عريضة ومحاور مجملة في مجال العلاقات بين الشرق والغرب، تحديدا بين «العرب والغرب» من ناحية، وبين المسلمين والغرب من ناحية أخرى. وذكر فيما ذكر أنه على الرغم من أن هنالك تقاطعات بين الشرق والغرب، حضاريا وتاريخيا ومصالح مشتركة وعلاقات متعددة عبر العصور والحقب التاريخية، إلا أنه حال دون استثمار هذه العلاقات وجني ثمارها صراعات، كان ولا يزال المحرك لها منحصرا بشكل أساس في «المعتقد الديني» هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هنالك ثمة تنافس شديد بين حضارات ضاربة في عمق التاريخ البشري تركز في محاولة تحقيق السيادة والتفوق ومن ثم فرض المنتج الثقافي على الطرف الآخر.
وهنا يجب أن أتوقف لأضيف شيئا يرتبط بمسألة المكان، فإذا كان المحاضر قد ركز على الزمان، فأريد أن أسترعي انتباهه إلى أهمية المكان إذ لم يكن بمحض الصدفة أن تتركز وتستفحل هذه الصراعات عبر الأجيال المتعاقبة دونما أن يكون للمكان أهمية وبعدا يستحق التنبيه إليه والأخذ به باعتباره عاملا فاعلا لا يقل أهمية عن عامل الزمان. وعندما يجتمع هذان العاملان «الزمان والمكان» يتكون ما يمكن أن يطلق عليه «المسرح الدراماتيكي،» التي لعبت من على خشبته حضارات وثقافات عريقة كان من نتائجها انصهارات وأقطاب من القوى عديدة. ويبدوأن المحاضر، فيما يتعلق بمسألة الظالم والمظلوم كان يتكلم، ولا يلام في ذلك، من خلال الحضارة التي يمثلها. والخشية الوحيدة من هذا تنحصر في هاجس الانحياز غير الإرادي والحديث من خلال العقل الباطن. وتنحصر المشكلة في هذا المنحى في كون أن النتائج والاستنتاجات ستوجه بطريقة غير حيادية، في الوقت الذي أكد فيه أنه كان متسائلا أكثر من كونه مصدرا أحكاما. وعلى الرغم من تأكيده وتوجهه، الذي لا نشك فيه نحو النظرة المجردة من التوجهات العاطفية والأحكام المسبقة والواقعية، فلقد جاءت استنتاجاته عاكسة تفريغ شحنة من العواطف الجياشة ورصد الأدلة والوقائع التي تخدم غرض طرف على حساب طرف آخر. ولربما كان من الأجدى أن يتبع المحاضر الكريم منهجية «براقماتية» يكون فيها «استنتاجياً» أكثر من كونه «وصفيا تأمليا.» ولقد طرح بعض المداخلين، بعدما قدم المحاضر تأملات وخواطر ومطروحات اتصفت بمؤشرات استنتجت من خلالها أن معظم المداخلين كان يحاول طرح فرضية ليست بديلة بقدر ما تكون رديفة للفرضيات والأطروحات والخواطر التي حاول المحاضر طرحها أمام الحاضرين.
لقد عبر أكثر من مداخل عن وجهة النظر التي تقول: صحيح أن هنالك ظالما ومظلوما وأن ثمة ظلم وقع وعانى منه أجيال بعد أجيال لربما من الجانبين، ولكن قد يكون أحد الجانبين قد ظلم نفسه بنفسه ثم ألقى باللائمة على غيره، وذلك بمثابة تعليق الأخطاء على المشجب. ومن المحتمل أن أساس القضية يتمثل إما في غياب الخطاب الموحد السياسي منه
والدبلوماسي والإعلامي، أو على أقل تقدير تشويش ذلكم الخطاب إن وجد. وعلى أية حال وفي هذا المجال الموقف بين أمرين أحلاهما مر: التبرير أو جلد الذات. وبشكل عام فلقد أمضى المداخلون وقتا ليس بالقليل في مسالة طرح الحلول أو تقديم سبلا للخروج من الأزمة، وكنت عاقدا العزم على طرح مداخلة ولكني أفعل ذلك هنا فأقول: لسنا في حاجة إلى إعادة ابتكار العجلة إذ أن الحل سبق أن قدم والأنموذج سبق أن جرب ولاقى نجاحا منقطع النظير، وتمثل ذلك في تقديم دعوة أساسها «توحيد العبادة لله وحده لا شريك له،» ومن مقوماتها نشر العدالة وتحقيق الذاتية وزرع الثقة في النفس وحفظ الكرامة للفرد وإنصاف الضعفاء والعناية الفائقة بالنساء، شقائق الرجال، وفي المحصلة النهائية قام مجتمع إسلامي حضاري امتد إلى أقصى شرق الكرة وتوغل غربا في عمق مواطن الحضارات الإغريقية والرومانية.
وبعد، إن خواطر الشيخ جميل الحجيلان لم تنبع من فراغ بل من استقراء لجملة الأحداث والتفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، سواء ما حدث منها وما يحدث، في عالم يتسم الآن بالانفتاحية وبالتميز في مجالات التعليم والتقنية والاتصالات، ولن يكون أمام الدول والمجتمعات النامية إلا أن تحاكي الغرب في وضع الاستراتيجيات والرؤى المستقبلية مستلهمين من حضارتهم وثقافتهم أمورا لا حصر لها واضعيها بمثابة المدخلات التي لا شك في أنها سوف تنتج مخرجات مرضية بحول الله تعالى.