Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/06/2010 G Issue 13761
الاربعاء 19 جمادىالآخرة 1431   العدد  13761
 
نبض الخاطر
السلامة المنزلية..برنامج مسئولية اجتماعية يبحث عن راعٍ
محمد المهنا أبا الخيل

 

في الأسبوع قبل الماضي تحدثت عن المسئولية الاجتماعية للمؤسسات، وكيف هي مشتتة جهودها ومساهماتها في كل اتجاه، مما يمثل تحدياً لبقاء أثرها، حيث تفتقر كثير من برامجها لعنصر التعزيز والاستدامة. ثم كان لي حظ في حضور ندوة نظمها نادي كتاب الاقتصادية، حول المسئولية الاجتماعية للمؤسسات لدى البنوك السعودية، تم خلالها استضافة الرؤساء التنفيذيين لكل من البنك الأهلي، وبنك الرياض، وبنك الجزيرة. وقد أوضح كل منهم مساهمات بنوكهم في المسئولية الاجتماعية، والتي لا شك أنها ثرية وكريمة وبناءة في مجالاتها، وتعبر عن أحساس بالهَم العام لدى إدارة وملاك تلك البنوك. ولكن الذي شدَّ انتباهي التوافق في البرامج أو الازدواجية فيها، والتشتت لدى كل من تلك البنوك في تغطية مجالات عدة وبرامج كثيرة، وضعف منهج الاستمرارية في معظم تلك البرامج، مما يوحي بكونها استجابات لتفاعل محدود الأثر ينتهي بانتهاء المحفز لتلك الاستجابات. في هذا المقال، سأطرح برنامجاً نموذجياً لما يجب أن تكون عليه المسئولية الاجتماعية للمؤسسات، وأود أن تتبنى أي من المؤسسات الاقتصادية في المملكة هذا البرنامج، ليكون مسئوليتها الاجتماعية الفذة، بحيث لا تقوم بغيره، ولكن ترعاه بصورة إستراتيجية، ليتحقق منه أثر واضح يستفيد منه المجتمع، هذا البرنامج هو برنامج (تعزيز السلامة المنزلية).

أحمد طفل في الخامسة من عمره الغض، وفي غفلة من الرقابة يدخل المطبخ، فيجد في أحد الأدراج قطعة كرتون عليها زبدة الفول السوداني اللذيذ، فيسارع في التهامها، وفي لحظات تدخل أمه لتصاب بهلع شديد، حيث ألتهم أحمد كل زبدة الفول السوداني، التي عجنتها هي بسم الفيران، للقضاء على فأر أزعجها في المطبخ، وأسفاً على أحمد من ذلك المصير. وهند طفلة في السادسة تلعب بعرائسها، وهي تسبح في البانيو، فيروق لها أن تنشف شعورهن بالاستشوار الموضوع على رف المغسلة القريب، وعندما تستدنيه يسقط منها في الماء، فتنتهي بذلك مسيرة هند في الحياة. وسلمان ابن الأربع سنوات يداعب أخته من خلف دربزون الدور الثاني وهي في بهو المنزل، تختبئ عنه ثم تظهر، فيجتهد في محاولة كشفها فينجح في إدخال رأسه من فتحة الدربزون، ثم لحظات ويفقد التوازن، ليسقط في البهو وتبدأ بذلك رحلته مع الإعاقة الدائمة. أما الشاب سامي فقد أراد أن يجدد لمبات الأثرياء التي تتوسط بهو المدخل ليكتمل تزيين المنزل الكبير للاحتفال بملكة أخته، ويرتقي السلم الذي بدا له متيناً، ولكن درجات السلم الرخيص لم تتحمل ثقل سامي فيختل توازنه ويسقط على البلاط القاسي، وتغير تلك السقطة الفرح لمأتم. هذه قصص من القصص التي تحدث كل يوم لرضع وأطفال وشباب وحتى كهول، منها ما ينتهي بكارثة ومنها ما يدمي القلوب ويورق الأذهان، وكلها بسبب ضعف الوعي بأصول السلامة. كل تلك الحوادث لم يكن لها أن تكون لو لم يحدث خرق لقاعدة من قواعد السلامة.

إن تطـــبيق معايــير السلامة في المنزل من أهم أسباب الوقاية من الحــوادث المميتة والمقعدة، وخصــــوصـاً للأطفال. فالحياة في المنزل الحديث محفوفة بالمخاطر، فجدرانه وأرضيته قياسية تحطم كل ما يرتطم بها، ومأخذ الكهرباء تمثل مصادر صعق قاتل، والتوصيلات الكهربائية الرديئة قوابس حريق محتمل، وسخانات الماء قنابل حارقة موقوتة، والنار في المطبخ والمواد الكيماوية الخاصة بالتنظيف وقطع الأثاث الثقيلة والمتحركة، كل هذه الأشياء يمكن لها أن تكون مصدر أذى مميت، إن لم يراع استخدامها ضمن معايير السلامة. وحتى يكون لقولي وقع مؤثر، حاولت أن أجد بيانات إحصائية عن الحوادث المنزلية، ولكن للأسف لم أوفق مع أن صديقي الدكتور يزيد العوهلي أمدني مشكوراً بكتيب إحصائيات وزارة الصحة، والذي يبين نسبة مراجعات خدمات الطوارئ للمستشفيات، ولكن لا يقدم معلومات تفصيلية عن الحوادث المنزلية. وهنا أدعو معالي وزير الصحة أن يوجه بأن تكون تلك الإحصائيات الكثيرة والتي تشكر وزارة الصحة على إعدادها، ذات مدلول تنموي ليُستفاد منها.

إن تبني إحدى المؤسسات الاقتصادية السعودية لبرنامج يعزز السلامة المنزلية، فيصبح البرنامج الصوت المسموع لدى جهات التنظيم والتقنين، فتسن أنظمة وتوضع معايير وجزاءات للمخالفين، يكون لها أثر فاعل في وضع هم السلامة المنزلية في قائمة أولويات من يصمم المنازل، ومن يرخص بناءها ومن يعمرها، ومن يراقب تنفيذ ذلك ومن يسكنها، ويكون عنصر السلامة حاضراً في ذهن الصانع والمورد والبائع للعموم. هذا البرنامج يجب أن ينشط في تعزيز الوعي لدى المواطنين بأهمية ضبط استخدام معايير السلامة في ممارساتهم اليومية وخصوصاً ربات البيوت، كذلك يكون للبرنامج مساهمات في تنمية تطوير وتشجيع الوعي بالسلامة عند صناعة مواد مخصصة للاستخدام المنزلي أو تنفيذ أعمال داخل المنزل، فتكون بذلك تلك المؤسسة هي حامل مشعل التبصير المستديم لكل المجتمع، مؤسساته وأفراده، بتبني السلامة كسلوك يومي في حياة المجتمع. هذا البرنامج سيكون له أثر عظيم في إنقاذ أرواح كان يمكن أن تفنى، وإسعاد حياة كان يمكن أن تشقى، وتوفير أموال كان يمكن أن تهدر, وبهذا يكتسب المنفق الأجر والسعادة والتقدير، ويكتسب المجتمع فعالية وكفاءة. وهذا البرنامج هو مثال لما يمكن أن تقوم به المؤسسة السعودية من خدمة اجتماعية فعالة. لذا أدعو للتركيز على النوعية والاستدامة والتخصص عوضاً عن فعل قليل من كل شيء.

M900m@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد